بورتريه .....المكتبي عمي مولود مشوار عريق لمسوق الثقافة والأدب

يعتبر عمي مولود –كما يناديه زبائنه-من بين أقدم بائعي الكتب القديمة في الجزائر العاصمة ففي مكتبته المتواضعة بشارع ديدوش مراد بالعاصمة بدأ مشواره وتعلقه بالكتاب وهي مهنة  تمكنه كل يوم من اكتساب معارف وثقافة عامة واسعة عن طريق المطالعة الدائمة و كذا التعرف على شخصيات و بذلك ربط علاقات طيبة مع قراء أوفياء و مثقفين جزائريين و أجانب.

عمي مولود:تعلقي بالكتاب كان بمحض الصدفة !!!!!! 

تبدأ رحلة مولود مشكور يوميا في تمام الخامسة و النصف صباحا حيث يصنف الكتب  القديمة المتراصة في مكتبة لا تكاد  مساحتها  تفوق  ال40 مترا مربعا ، عادات لم يغيرها عمي مولود صاحب الخمسة والسبعين عاما منذ أزيد من ستين سنة.

و في زيارة صباحية  قادتنا إلى مكتبة عمي مولود بشارع ديدوش مراد حيث  استقبلنا بوجه بشوش وابتسامة عريضة  بدأ يسرد لنا بداياته  في المكتبة وظروف التحاقه بها  التي تعود إلى سنوات الخمسينيات من القرن الماضي و العلاقة الوطيدة التي كانت تربطه  بالسيدة الفرنسية " بروندو " صاحبة المكتبة الأصلية حيث قامت بتكليفه بإدارة وتسيير المكتبة و سنه آنذاك لم تتجاوز 12 سنة .

وفي حديثه أكد لنا عمي مولود أنه كان عصاميا ولم يتلق أي تكوين في مجال ترتيب الكتب وتصنيف المكتبات  وواصل مبتسما "عندما رأيت المكتبة لأول مرة لم يعجبني المكان نظرا للفوضى التي كانت تسود المحل ، و لم أكن أتوقع أنني سأعمل هنا طيلة حياتي  "  لكن مع الوقت شيئا فشيئا تمكنت من  ترتيب المكان وأصبحت أتعامل مع الناس الذين يبعون الكتب ، و أحيانا نقوم بعملية التبادل أقول لك صراحة اليوم أجد صعوبة في اقتناء الكتب القديمة فما هو متداول اليوم الروايات و المجلات   عكس ما كان الوضع عليه سابقا فكنت أحصل بسهولة على الكتب العلمية و صنف الكتب الرفيعة (beaux livres)

تعرفت على مثقفين كبار أمثال مولود فرعون مالك حداد و البير كامو

في رده عن سؤال حول أهم الشخصيات و الأدباء الذين مروا من هذه المكتبة قال عمي مولود "تعرفت على عدة كتاب خلال عملي هنا وأذكر لكي منهم على سبيل المثال الروائي مولود فرعون ،كاتب ياسين مولود معمري  مالك حداد و الفرنسيين امانويل روبلس ، جورج آرنو و البير كامو هذا الأخير كان صديقا مقربا إلي و كان يأتي يتناول معي طبق الكسكسي كل يوم أحد  فكانت علاقتي به طيبة جدا.

و بالحديث عن كامو أتذكر حادثة -سأرويها لك -وقعت لي هنا سنة 1957  عقب انفجار وقع بالعاصمة طلب مني الفرنسيون منظموا المسيرات بمقر الجامعة المركزية  غلق المكتبة من 10صباحا إلى غاية 15 مساء لكنني لم أنفذ ما طلب مني و بينما كنت جالسا أنا و الكاتب البير كامو نتبادل أطراف الحديث دخل القائد "لاقايارد " المعروف بصرامته و قسوته دخل و بدأ يهددني بالضرب ان لم أقم بغلق المكتبة ليستوقفه كامو قائلا  "لا داع للصراخ ......... و بالتالي هذه ليست طريقة للحديث مع صديقي " وقف القائد لاقايارد مندهشا ثم انصرف هذه القصة  بقيت راسخة في ذاكرتي إلى اليوم  .

على الرغم من ضعف ذاكرتي ..إلا أنني أحفظ جيدا مكان الكتب

بمرارة يروي لنا "عمي مولود" بأنه يواجه صعوبات يومية في التذكر خصوصا في السنوات الأخيرة غير أنه داخل مكتبته يقول "عندما أقوم بترتيب كتاب ما على الرفوف حتى بعد مرور ثلاثة أو أربعة أشهر أتوجه إليه مباشرة دون تفكير أو بذل مجهود و لهذا أجد نفسي مرتاحا هنا و اعتبر المكتبة بمثابة بيتي الثاني فيوميا أقضي مايقارب  اثني عشرة ساعة و أنا بين هذه الكتب و المجلات .

أعشق كتب تاريخ الجزائر و كلاسيكيات الأدب الفرنسي  

الحقيقة أن عمي مولود مولع بالقراءة وهذا ما  لمسناه من حديثه حين قال لنا إنه يقرأ كل ما يجد أمامه و لما سألناه عن الكتب التي تستهويه فرد أنه يحب قراءة كل ما يتعلق بالثورة الجزائرية المظفرة و أشار إلى أنه قرأ معظم ما كتب في هذا الموضوع سواء كان الكتاب جزائريون أم من جنسيات أخرى . و في سياق متصل أوضح عمي مولود أنه يجد متعة في قراءة كلاسيكيات الأدب الفرنسي على غرار موليير و ستندال و هيغو ........

هواياتي إلى جانب المطالعة ....الرياضة و السفر

يقول عمي مولود " عندما كنت شابا كنت أمارس الرياضة مثل العدو الريفي و الكرة الحديدية و بطبيعة الحال و ككل شاب جزائري كنت أعشق  كرة القدم أما بالنسبة لهوايتي الأخرى فقد كنت أحب السفر كثيرا فمن جهة كنت أزور السيدة الفرنسية صاحبة المكتبة التي كانت مقيمة بمدينة" نيس" الفرنسية  و سافرت أيضا إلى سويسرا و مناطق أخرى كثيرة أين كنت ألتقي في بعض الأحيان بزبائني في المكتبة و الذين تربطني بهم علاقات خاصة.

لن أحول مكتبتي إلى مطعم مهما كلفني الأمر………..

و لأن عمي مولود متعلق بمكتبته كثيرا و هو ما  يلاحظه أي  شخص يتحدث إليه  تأسف عن عزوف الجزائريين و نقص اهتمامهم بالكتاب في السنوات الأخيرة  و هذا ما يفسر حسب عمي مولود تحويل بعض المكتبات  (سواء لبيع الكتب الجديدة أو القديمة) إلى  فضاءات للإطعام السريع "fast-food " و هذا ما يرفضه تماما عمي مولود و يقول "ما دمت على قيد الحياة لن أحول المكتبة إلى مطعم  مهما كلفني الأمر فأنا سعيد بما أقوم به و يكفيني أنني أسوق الفكر و الثقافة".

كلمتي للشباب

بنبرة حزينة يقول عمي مولود  .....أوجه نداء للشباب الجزائري و أقول يجب مواكبة العصر بالتحكم في التكنولوجيات الحديثة و لكن يجب الحفاظ على أخلاق و تقاليد المجتمع الجزائري و السير على خطى السلف  ، وبكل صراحة أقول لك علينا الاستثمار في الأجيال القادمة و حثهم على المطالعة .

 

المصدر موقع الإذاعة الجزائرية/ليليا مجاوي

ثقافة وفنون, ابداعات