الرقص بأطراف مستعارة للشاعر خالد بن صالح وهاجس الكتابة

يسيطر هاجس  الكتابة أو لحظة الانكتاب، بطقوسها وفضاءاتها ومخاضها العسير على المجموعة الشعرية للشاعر الجزائري خالد بن صالح الرقص بأطراف مستعارة، لا كموضوع للكتابة فقط، بل كسؤال ومأزق وجودي يزعزع يقين الشاعر فيزعز بدوره اللغة، لتقض اللغة التي تجيء في هيأة رقصة بأطراف مستعارة مسلمات ويقينيات المتلقي.

فمنذ عتبة العنوان "الرقص بأطراف مستعارة الذي يحيل مباشرة إلى عالمين " الأول عالم تواصلي يتمثل في لغة الجسد التي يوحي بها الرقص وهي لغة -تصبح مع المحمولات الدلالية لكلمة الرقص - ذات أبعاد فنية، فلغة الجسد هي هنا لغة راقصة، أي ليست لغة للجسد فقط وإنما هي لغة شعرية، تتماهى مع الكائن وترتفع به في حالة من الوجد الصوفي حين تقترن بأطراف مستعارة، وهو ما يوحي بذلك الانفصال بين الاندفاع الروحي وعجز الجسد عن الانسجام، مما يعتمل في داخل الإنسان من مقدرة على الخلق تخييلا، وبما يعجز الجسد -بما أوتي من مواهب- على "تجسيده" ما يدفعنا إلى استحضار ذلك المثل الشعبي" الراس حافظ رقصة والقوايم ما جابوهاش" أي أن الجسد عاجز عن أداء الرقصة التي في البال، رقصة الشعر، رقصة "القصيدة" أو النص الذي لم يكتب بعد وهو الهاجس الذي يطغى بشكل لافت على هذه المجموعة.

ثم تأتي عتبة الإهداء والشاعر  يتهيأ للرقص فيهمس في إذن ابنه في هيأة اعتذار أو تملص من رقصته "إلى إياد هي مأساة أبيك وملهاته" فالشعر لعنة ومأساة في مخاضه، ولعبة يتلهى بها الشاعر في أوقاته الأخرى..إنها رقصة الديك المذبوح.

الكتابة سؤال وجودي حارق

ريثما يستعيد خالد بن صالح أطرافه المنتظرة يواصل التدلي في رقصته العجيبة، وهو يركض خلف ايقاع المعنى/ ايقاع النص الضائع، والزمن المفقود، الزمن الذي يرتبط بهاجس الانتظار" ويعبر عنه تصريحا باستعارة طرف من أطراف " ايميليو باتشيكو" في شكل تصدير معلنا عن دوامة الزمن المخيف زمن المستقبل:"سلفا نحن ـأغرقنا المستقبل في هاوية تتفتح كلّ يوم".

ويتجلى هاجس الكتابة بشكل أوضح في نصوص المجموعة، التي تتكيء على توليد المجازات بشعرية عالية من التفاصيل اليومية الصغيرة ففي نص "كيف تكتب قصيدة" ينطلق من صحن السلطة ومن مائدة رغم أنه لا لا فواكه فيها الا انها تطالعنا بمشهد "العشاء الأخير" كأنه يحاول أن يراوغ النص المكتمل الذي يتغياه كل شاعرليقدم لنا وصفة لوجبة شعرية دسمة رافعا صوته بكل ثقة، ومستهزئا بكل الوصايا الوثيرة الباذخة بدءا من وصية ابي تمام للبحتري، الذي اوصاه بحفظ عيون الشعر،وليس انتهاءً بوصية درويش لكاتب ناشيء، ليختصر وصفة كتابة الشعر في ابسط التفاصيل، اذ ينشد:"
تبحث عن الكلمات في صحن السطة، تزيح الرز جانبا بالملعقة التي تمسكها كأداة للتنقيب عن الآثار. تلقي في كأسك الفارغة مربعات الثلج، ثمة ما يشبه الأهرام الفرعونية هنا، ونهر نيل صغير يتسلل بين الإطباق تبدو الدجاجة ضخمة جدا، حتى من دون رأس وبجلد محمر يقطر بالزيت.  وبصبر قائد هزمته أحلامه الكبيرة تصنع أسطولا بحريا بقطع الخبز وحبات الزبيب، ثم تنتظر إشارة بدء المعركة، من الأم، باسم الرب. وخاتمة "باسم الرب" تحمل شعرية عالية وهي تحيل الى حروب المعنى باسم الدين ولا يسعنا الا الاندهاش ونحن نبصر بكل حواسنا كيف تتحول وجبة عشاء بتفاصيلها الهامشية إلى ركام لغوي متفجر.

كما يطالعنا هاجس الكتابة أيضا في نص " دليل الهاتف"، و يجعلنا نتساءل هل  كان خالد  ينتظر القصيدة التي لا تجيء حين كان يدخن أنواع السجائر الرديئة ويمزق دليل الهاتف؟ حتى يصل الى الاختلال في مواجهة الشعر، وسؤال الجدوى الحارق، ففي نص بيت العنكبوت: يعترف بأن أوهى البيوت هو بيت الشعر لذلك يصرخ" حين قرأت قصائدي أول مرة لم أتخيل أن عبور الكلام إليك سيجرحني" ليكتشف أنه لا شيء تغير في هذا العالم الزائف حتى طريقته في ملاحقة النساء لم تزل هي هي، لم يتغير سوى شيء واحد، "شكل الكلمات فقط" تغير شكل الكلمات الذي يفتح أفق التلقي على طرائق التشكل والبناء الشعري، منذ الانتصار القديم للمقاربة في التشبيه التي انبنى عليها عمود الشعر وليس انتهاءَ الى آخر صيحات دعاة التفكيك، التي ترى المعنى في اللامعنى، ليصل في آخر النص إلى قفزة فوق الجدار" ونعترف في اللحظة ذاتها أنه غير المجدي، ان يتمسك بأي شيء.  ويضيف مستسلما" هذا ما كانت آلهة الشعر تردده كعنكبوت تنسج بيتها باطمئنان" وهو ما يستدعي النص القرآني " إن اوهن البيوت لبيت العنكبوت" لكنه يستدعيه لا ليقلل من قيمته، بل ليظهر هشاشته رغم تلك الدقة اللامتناهية من الإتقان الذي يبعث  الدهشة والانبهار.

مجموعة الرقص بأطراف مستعارة للشاعر خالد بن صالح الصادرة عن " براءات المتوسط"، لعب مدهش باللغة وتكثيف عميق للمعنى.

المصدر: موقع الاذاعة الجزائرية/ باكرية ناصر

ثقافة وفنون