الذكرى الـ 61 لإضراب الطلبة الجزائريين ... حينما يلتحم الشعب بكل فئاته بالثورة

 لقد شكل تاريخ 19 ماي 1965  الذي أطلق عليه فيما بعد يوم الطالب محطة مفصلية في مسار الثورة التحريرية المجيدة ، بالتفاف جميع شرائح المجتمع حولها، وانخراط طلبة الجامعات و تلاميذ الثانويات في الداخل والخارج في مسيرة الكفاح المسلح.

ولقد أعلن الطلبة الجزائريون من خلاله رفضهم شهادات علمية لا تخدم سوى المستعمر، معلنين عن تعلقهم بقيم ومبادئ ثورة التحرير المبجلة مُلبين  لنداء الجهاد بتحويل الأقلام  إلى مدافع ورشاشات قَناعةً منهم بضرورة استرداد حرية البلاد.

ويقول المجاهد صالح القبي بهذه المناسبة:"إن استجابة الطلبة لنداء الثورة كانت جماعية وكان دور الطالب في هذه الفترة ضروري لدعم إخوانه المجاهدين".

وكانت قناعة عبروا عنها  في المقولة الشهيرة التي حملها بيان الإضراب والقائلة: ''الشهادات لن تصنع منا أحسن الجثث" مُفنِدين  في المقابل أكاذيب المستعمر وادعاءاته بأن الثورة لا وجود لها في الواقع وأن ما يحدث لا يعدو أن يكون أعمال شغب وإرهاب تقوده بعض المجموعات الطائشة وقطّاع الطرق'"UGEMA"  وضع التعليم قبل الإضراب و إنشاء الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين

وعمل الاستعمار الفرنسي على طمس تاريخ الجزائر ونشر الأمية والجهل في صفوف أبناء الجزائر، فقد إتبع في ذلك سياسة أساسها محاربة القرآن، والقضاء على التعليم الإسلامي، ونهج سياسة الفرنسة والإدماج وإتباع سياسة التجهيل.

  ويظهر هناك تباين وفرق كبير بين أبناء الشعب الجزائري و المعمرين في ميدان التعليم لذا انقسم أبناء الجزائر إلى عدة فئات: فئة من الجزائريين انضمت إلى الكشافة الإسلامية التي تسهر على تعليم اللغة العربية والتعاليم الإسلامية، و فئة أخرى من الشباب وجدت مكانتها في الجمعيات الرياضية.

 وقد كان لإنشاء الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين الأثر الكبير في إعطاء دفعة قوية لتغيير وضع التعليم ، هذا الإتحاد الذي لعبت جبهة التحرير الوطني  دورًا هاما  في إنشاءه من خلال المؤتمر المنعقد بباريس في 08 جويلية 1955 من طرف الشهيد عمارة رشيد و لونيس المكلفان من طرف عبّان رمضان. و لهذا المؤتمر التأسيسي ثلاثة أهداف هي

-  حماية المصالح المادية والمعنوية والثقافية للأعضاء

-  محاربة كل أشكال الجهل والأمية وحماية اللغة العربية و تنمية الثقافة العربية الإسلامية.

-  تشجيع المبادلات الثقافية مع كل الدول.

كما تم إنشاء جمعية لتلاميذ الإكمالي والثانوي ظهرت في هذه المرحلة كحركة نقابية ،.وفي 20 جانفي 1956 رُفع قرار  الإضراب عن الطعام والتمدرس بتنظيم من اتحاد الطلبة للمسلمين الجزائريين  تضامنا مع إخوانهم الطلبة الذين سجنوا ظلما ( في حوادث مونبيليي بفرنسا) ، وفي  الفترة ما بين  24 إلى 30 مارس 1956 انعقد المؤتمر الثاني بباريس للاتحاد حيث طالب باستقلال الجزائر وإطلاق سراح كل المساجين التفاوض مع جبهة التحرير.

و بأمر من جبهة التحرير قرر اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين بالجزائر و فرنسا - و أمام الوضع العام المتوتر والضغط المفرط للسلطات الاستعمارية الغاشمة- إضرابا عاما غير محدود عن الدراسة والامتحانات و ذاك بنادي التقدم بالعاصمة الجزائر.

ويوضح في هذا الصدد الاستاذ والمجاهد محمد اسكندر "إن جبهة التحرير لما أعطت الأمر للطلبة للالتحاق بالثورة وجدت تجاوبا كبيرا من طرف هذه الفئة من المجتمع وكنت انا من ضمن الذين كلفوا بتبليغ هذه الرسالة الى الطلبة المتواجدين في تونس حيث هللوا لهذا النداء".

الإضراب المفتوح في  19 ماي 1956...

و بخصوص زمن الإضراب فقد انطلق في 19 ماي 1956 واستمر إلى غاية السنة الدراسية الموالية 57/58  حيث عملت جبهة التحرير على تدعيم الإضراب في الداخل ، أما في فرنسا فقد تجاوزت الأحداث اتحاد الطلبة للمسلمين الجزائريين  وتمَّ إعطاء أمر بالعودة  للدراسة في 14 أكتوبر. .

و خلال هذا اليوم التاريخي قرر أبناء الجزائر من الذين تمكنوا من تجاوز أساليب التجهيل المفروضة على الأغلبية الغالبة من الشعب الجزائري، التخلي عن مقاعد الدراسة لأداء واجب أجدر وأسمى هو تلبية نداء الجهاد والمشاركة في معركة تحرير الوطن وتلبية نداء الأمة ومقتضيات المصير الذي تهون أمامه كل الغايات بما فيها الحصول على شهادات دراسية عليا..

وعززت ملحمة الطلبة موقع قيادة الثورة وفتحت الباب على مصرعيه لأفواج جديدة من المناضلين الذين أعلنوا انخراطهم في الكفاح من أجل الاستقلال مفضلين الشهادة في ميدان الشرف على الشهادات الدراسية التي لن تجديهم نفعا.

ولما أدركت فرنسا الاستعمارية قوة هذا التحرك الطلابي وانتشاره السريع عملت من خلال إعلامها على التضليل وبث روح الانشقاق وسط المجتمع الطلابي.

ويقول المجاهد عبد القادر نور:" إن السلطات الفرنسية كانت تزييف الحقائق من خلال وسائلها الإعلامية لجعل الطلاب المجاهدين خارجين عن القانون وكان هذا الحدث مكذبا للأطروحة الاستعمار وإعطاء صورة أخرى على أنها ثورة شعبية".

و لقد أظهر هؤلاء الطلبة قدراتهم الفائقة في إدارة شؤون الثورة من خلال مناصبهم والمهمات الموكلة  لهم فأعطوا المثل في التضحية والتفاني، فمنهم من تنقل إلى الدول المجاورة في مهام للثورة وعدد كبير منهم استشهد في ميدان الشرف.

المصدر: الإذاعة الجزائرية

 

الجزائر, مجتمع