رســالة رئيــس الجمهـــورية بمـناسبــة ذكــرى يــوم المجــاهـــد

وجه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة رسالة بمناسبة احياء ذكرى اليوم الوطني للمجاهد, قرأها نيابة عنه وزير  المجاهدين الطيب زيتوني خلال الاحتفالات الرسمية المخلدة لهذه الذكرى التي احتضنتها ولاية تبسة. فيما يلي نصها الكامل:

"أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل..

في هذا اليوم التاريخي، تحتفل الجزائر بيوم المجاهد عرفانا لصناع تحرير شعبنا  الأبي واستقلال وطننا الغالي وتخليدا لمحطات تاريخية مشرقة في مسار ثورة  نوفمبر المجيدة.

في هذه الوقفة التذكارية، أتوجه بداية بالتحية الأخوية وبالتقدير الخالص  لرفقائي المجاهدين والمجاهدات، متمنيا لهم جميعا دوام الصحة والعافية، لكي يكونوا شاهدين على استمرار الجزائر في مسيرة البناء والتشييد.

وأغتنم هذه الوقفة كذلك لأترحم على أرواح المجاهدين والمجاهدات الذين ما  انفكوا، مع الأسف، يغادرون الحياة أفواجا وأفواجا، بعدما ساهموا في رفع راية  الجزائر وفي إعادة بناء صرح  دولتها المُنِيف.

ولا يفوتني، في هذه الفرصة، أن أتوجه بالتحية الأخوية لأعضاء المنظمة الوطنية  للمجاهدين، رفقائي في السلاح، متمنيا لهيئتهم الموقرة المزيد من النجاح في  خدمة ذاكرة ثورة نوفمبر المجيدة وفي الدفاع عن تاريخ  الجزائر المكافحة.

أيتها السيدات الفضليات،أيها السادة الأفاضل..

يتزامن يوم 20 أغسطس كذلك مع ذكرى أحداث تاريخية مجيدة، أولها تلك الانتفاضة  التي خاضها شعبنا الأبي في الشمال القسنطيني، مؤكدا بما بذله خلالها من  التضحيات، أن ثورة أول نوفمبر 1954 هي حقا ثورة شعب بأكمله، شعب عقد العزم على  تحرير أرضه, شعب جسد جيش التحرير الوطني الباسل دِرْعَهُ الصّلبة من أجل كسر  قيود الاستعمار.

نعم، سيداتي،،سادتي، كانت انتفاضة 20 أغسطس 1955 تلاحما مثاليا بين مجاهدينا  الأشاوس ومواطنينا البواسل، تلاحما أرعب المستعمر الغاشم. كما كانت هذه الوثبة  برهانا إضافيا على عزم شعبنا أن يدفع أغلى ثمن يتطلبه استرجاع حريته.

لقد واجه المستعمر هذه الوثبة الجديدة لشعبنا الأبي وتلك المعركة الشجاعة  التي خاضها جيش التحرير الوطني، يوم 20 أغسطس 1955، بقمع وحشي لا مثيل له, قمع  استخدم فيه كل أنواع الأسلحة برا وجوا وبحرا, قمع عرف لحظاته السوداء التي لا  تنسى في مجزرة ملعب مدينة سكيكدة، الذي شهد مذبحة جماعية لأكثر من 10 آلاف  مدني عزل.

ولما كنا نقيم وقفة تذكرنا هذه تحت علم الجزائر المستقلة، يأبى علينا الواجب  إلا أن نترحم بخشوع واجلال على أرواح أولئك الآلاف بل عشرات الآلاف من الجزائريين والجزائريات من الذين نالوا الشهادة في الشمال القسنطيني في ذلكم  التاريخ المشهود وندعو العلي القدير أن يتقبلهم  قبولا حسنا وهم أحياء يرزقون  في جنة الخلد.

أيتها السيدات الفضليات،أيها السادة الأفاضل..

إبان الكفاح وفي أشد ظروف ثورة نوفمبر المجيدة، قررت قيادة جيش التحرير  الوطني عقد مؤتمر الصومام يوم  20 أغسطس 1956، مؤتمر جمع صفوة من قادة ثورتنا  المسلحة الذين وضعوا ميثاقا رسم معالم الطريق لثورتنا حتى الانتصار، كما وضعوا  تنظيما محكما لكفاحنا المسلح وكذا هيكلا سياسيا دائما جاء سندا للدرع  السياسية لثورة نوفمبر المجيدة، أعني جبهة التحرير الوطني.

نعم، لقد سمح التنظيم العسكري الذي أقره مؤتمر الصومام بإعطاء نَفَس جديد  وقوي لجيش التحرير الوطني، الذي عزز وجوده ميدانيا وشدد ضراوة وطأته على الجيش  الاستعماري.

لقد أرغم جيش التحرير الوطني الباسل، المدعم بشعب برمته بما فيه جاليته في  الخارج، أرغم الجيش الاستعماري الآثم، على إرسال القوات تلو القوات إلى بلادنا  لضمان استمرار بقائه فيها بمسعى يائس كان مآلُهُ الحتمي الفشل والهزيمة وهو  ما وقع حقا بانتزاع ثورتنا استقلال الجزائر الذي افتداه مليون ونصف مليون شهيد  بأرواحهم الزكية الطاهرة وبعد تحمل دمار وحشي شامل تمثلت نقطته السوداء  الأخيرة في ما سمي بالجيش السري للمعمرين المتعنتين الحقودين الذين صبّوا جام  حقدهم على المدنيين دون تمييز بين كبير وصغير ولا بين رجل أو امرأة.

أيتها السيدات الفضليات،أيها السادة الأفاضل...

صحيح أننا ننعم اليوم بفضائل الحرية والاستقلال وبثمرات مسار البناء  والتشييد، الذي انطلق فيه شعبنا الأبي منذ أكثر من خمسة عقود، مسار حقق قفزة  نوعية وكمية منذ العشريتين الأخيرتين، وأنتم شهود على ذلك، في كل ربوع الوطن،  من أقصى جنوبه إلى واجهته البحرية ومن أول مشرقه إلى أقصى مغربه.

غير أن الحرية والاستقلال والبناء والتشييد هي مكاسب ورهانات تتطلب التجنيد  المستمر والجهد السخي وحتى التضحية من أجل الوطن.

أقول هذا وأنتم تعرفون حجم التحديات التي ما تزال أمامنا في مجال تلبية جميع  الحاجات الاجتماعية لشعبنا ومن أجل بناء اقتصاد أقوى وأقل تبعية للمحروقات.

أقول هذا كذلك وأنتم شهود على الصراعات التي تزعزع يوميا عالمنا المعاصر  وخاصة عالمنا العربي, وتهضم حقوق الشعوب الاقتصادية في معظم المجالات.

نعم، إن حق الحرية والاستقلال, وكذا حق الشعوب في العيش في كنف الاستقرار والهناء، أصبح مع الأسف، أمرا مفقودا في العالم العربي, جَراء النزاعات  والأزمات المُوهِنَة لقدراتنا،النزاعات التي تبعدنا عن الواجب المقدس واجب  تحرير فلسطين تحرير أولى قبلتينا وثالث حرمينا.

وفيما يتعلق بجزائرنا الحبيبة، فإن هذه الأزمات الخارجية تدور على حدودنا  مثقلة بمخاطر الإرهاب المقيت وشبكات الجريمة المنظمة وهما آفتان لا حدود لهما  اليوم.

وأمام هذه التحديات وتلك المخاطر، أهيب بكم، أبناء وبنات وطننا العزيز، أن  تتأسوا بمجاهدينا الأماجد وشهدائنا الأبرار وتتجندوا لكي يستمر البناء وتسخير  جميع قدرات بلادنا ولكي ترصوا بناء جبهة شعبية قوية لضمان استقرار الجزائر  وصمودها في وجه جميع المناورات الداخلية وكل التهديدات الخارجية.

لقد استرجعنا الاستقرار والأمن والسكينة بعد تضحيات جسام جراء المأساة  الوطنية، فعلينا أن نصون هذه المكاسب، لأنها الركيزة التي لا غنى عنها  لاستكمال مشروعنا الاقتصادي والاجتماعي.

عليكم أن تواجهوا، بهذه الجبهة الشعبية الصلبة العتيدة، جميع المناورات  السياسوية وكل المحاولات لزعزعة صفنا بتأويلات خاطئة أو بعرضة لتعاليم ديننا  الحنيف وأن تواجهوا كذلك, بهذه الجبهة الشعبية الصلبة العتيدة كل الآفات وعلى رأسها الفساد والمخدرات التي تنخر اقتصادنا ومجتمعنا.

وفي هذا التجند الوطني، أهيب بكم، بنات وأبناء وطني الغالي, أن تحذوا حذو  خيرة أبناء مجتمعنا، أفراد الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني وأفراد قوات أمن بلادنا الذين يضحون يوميا، بالنفس والنفيس, حفاظا على حرمة  وسيادة ترابنا الوطني, وحفاظا على أمن وسلامة شعبنا وممتلكاته.

وبهذه المناسبة التذكارية، أرفع باسمكم جميعا وباسمي الخاص،تحية التقدير  والإكبار لأفراد الجيش الوطني الشعبي وأفراد قوات الأمن وأترحم، باسمكم  وباسمي الخاص، بخشوع وإجلال، على أرواح رجال الواجب الوطني الذين ما زالوا  يجودون بأرواحهم من أجل محاربة بقايا الإرهاب المقيت الآثم حتى القضاء عليه  نهائيا بعون الله.

أيتها السيدات الفضليات،أيها السادة الأفاضل..

وأنا أتوجه إليكم بهذه الرسالة، عشية عيد الأضحى المبارك، أتمنى لجميع أبناء  شعبنا، في الجزائر وفي ديار الغربة، عيدا سعيدا، في كنف الخشوع والتضامن  والفرحة، كما أتمنى حجا مبرورا وذنبا مغفورا  وسعيا مشكورا لجميع حجاجنا  الميامين متمنيا لهم أداء هذه الفريضة المقدسة في أحسن الظروف وعودة ميمونة  إلى ديارهم .

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، تحيا الجزائر".

الجزائر