الجــزائـرون يـخلدون هذا الثلاثاء الذكرى الـ 58 لمظاهرات ملحمة 11 ديسمبر 1960

يخلد الجزائريون  هذا الثلاثاء بكل فخر واعتزاز الذكرى الثامنة والخمسين لمظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي انطلقت من حي محمد بلوزداد (بلكور سابقا) بالجزائر العاصمة قبل الانتقال إلى عدة مناطق أخرى من الوطن، ويستذكرون معها أمجاد صنعها  آباؤهم تحدوا بكل شجاعة جيش الاحتلال للمطالبة بالحرية والإستقلال.

ويستذكر مجاهدون لا يزالون على قيد الحياة تفاصيل تلم المظاهرات التي زعزعت عرش جيش الإحتلال الفرنسي وقادته السياسيين وأوصلت القضية الجزائرية إلى أروقة الأمم المتحدة.

في هذا الإطار، يستذكر الحاج نور الدين بن مرادي المعروف اكثر باسم والده بناصر الذي كان يسير فريق كرة القدم "وداد بلكور" قائلا "في الحقيقة، كانت البداية في العشية أي يوم العاشر من ديسمبر حين كنت بالقرب من المركز التجاري (المونوبري سابقا) و رأينا مجموعة من أنصار +الجزائر فرنسية+ و هم يشرعون في مسيرة على خلفية زيارة الجنرال ديغول للجزائر مضيفا أن مجموعة المتشددين هذه لم يتوان عناصرها، وهم رافعين شعارات مناهضة "لحل الجزائر جزائرية"، عن شتمنا وأتذكر يومها أن أحد الجيران وهو عمي سعيد عديم الذي كان معروفا بوطنيته قد تحداهم بالرد على شعاراتهم" وفقا لما نقلته عنه وكالة الأنباء الجزائرية.

ولتجنب اندلاع مشادات بين المجموعتين تم اقتياد الأقدام السوداء من طرف الشرطة إلى المخفر الذي كان على رأسه آنذاك قائد الشرطة برنارد. لكن هذا، يستطرد الحاج نور الدين، لم يمنعنا من مواصلة المسيرة و المناداة بشعارات....إلى أن سمعنا صوتا يهتف "الجزائر مسلمة" و الجزائر جزائرية".

وكان لهذه الشعارات التي هتفت لأول مرة مفعول محفز أكثر للحشد الذي كان يزداد عددا أكثر فأكثر كلما تقدمنا  إلى غاية الوصول إلى محل الأحذية "أندري" الذي تهشمت واجهته الزجاجية بفعل الغضب الجماهيري علاوة على اضرام النار في مخزن البلاستيك للمركز التجاري (مونوبري).

و تابع بن مرادي بالقول "لقد هالنا منظر الدخان المتصاعد حينها و عند ذلك تدخل مناضلو جبهة التحرير الوطني الذين وزعوا علينا لفائف قماش لنصنع منها رايات وطنية تحسبا لمظاهرة كبيرة في الغد"، مضيفا انه "تساءل يومها عن مصدر هذه الكمية من القماش التي عكفت النسوة على خياطتها طوال الليل لتكون جاهزة في الغد".

و يروي الحاج نور الدين انه في الغد تجمع من تظاهروا بالأمس حيث انضم اليهم مئات آخرين لتشمل هذه المظاهرة العديد من أحياء للعاصمة مستحضرا بحرقة و ألم صورة الشهيدة صليحة عواتيقي ذات ال12 ربيعا التي سقطت تحت رصاص القوات الفرنسية والتي كانت في المقدمة يومها."

ويروي شاهد العيان هذا أن الشاب الذي كان يحمل الطفلة صليحة على كتفيه لم يدرك لتوه بأنها تلقت رصاصة في الصدر بحيث ظن أن الدم كان ينزف منه" مصيفا أن" المظاهرات تواصلت خلال الأيام الموالية" ليخلص جازما بأنه "من يومها، أدرك الفرنسيون ان الشعب الجزائري ملتف حول جبهة التحرير الوطني".

     ..ومشاهد لا زالت حية في الذاكرة

تبقى في ذاكرة محمود بوسوسة، الحاضر أيضا خلال هذه التظاهرات، صورتين: أولاهما لفتاة صغيرة يحملها شاب على كتفيه وهي تحمل العلم الجزائري ذاك الأحد، يوم العطلة آنذاك، الذي اختاره الجزائريون للخروج إلى الشارع في مظاهرات.

"في لحظة ما، صوب أصحاب القبعات الحمر سلاحهم نحو صدر الطفلة ورغم وصول سيارة الاسعاف بسرعة إلا أنها لفظن أنفاسها الأخيرة"، يضيف الشاهد متأثرا بهذه القصة، و يتعلق الأمر بالشهيدة صليحة واتيكي.    

كما ذكر في هذا الصدد بالغضب والألم والحزن الذي انتاب كل المتظاهرين الحاضرين آنذاك إزاء "هذا العمل الاجرامي"، ومنهم بشكل خاص امرأتين كانتا تبكيان وتصرخان بغضب شديد: المسكينة، المسكينة !"، وهو الحدث المأساوي الذي جرى بالقرب من "المونوبري" ببلكور.

وعلاوة على صليحة واتيكي، ذكر بوسوسة الذي كان صحفيا أيضا بجريدة المجاهد إلى شهيدة أخرى خلال مظاهرات بلكور، وهي حميدة نقال (19 سنة) وكذا الطفل فريد مقراوي الذي لم يكن قد بلغ بعد 10 سنوات والذي استشهد بديار المحسول (المدنية) في ذات اليوم.

وقال أن "هؤلاء الأطفال التحقوا بالقائمة الطويلة لشهداء الثورة"، قبل التطرق إلى الذكرى الثانية التي كان شاهد عيان عليها كذلك في ذات اليوم بساحة موريتانيا حيث كان يوجد مقر شركة الخطوط الجوية الفرنسية "اير فرانس" حيث ذكر أنه وبالرغم من أن المسيرة كانت سلمية والمتظاهرين عزل، لجأ المستوطنون إلى إطلاق النار مستخدمين ذخيرة منحتها إياهم المحافظة المركزية للشرطة الواقعة بالجوار، مذكرا بأن هذه المواجهة خلفت 380 شهيدا و800 جريحا وسط الجزائريين.  

كما عبر في هذا الصدد عن استنكاره للحصيلة المقدمة في تلك الفترة من قبل وسائل الاعلام الفرنسية التي حصرت عدد القتلى الجزائريين في 55 فقط.

و لدى نزوله ضيفا هذا الأسبوع على جمعية مشعل الشهيد لتقديم  شهادته على هذه الاحداث التاريخية، فضل تدوين شهادته في وثيقة عنونها "اصرار شعب" والتي قرأها على الحضور.

و من جهتها، تتذكر ثافاث آسيا التي شاركت في سن 15 سنة في مظاهرات ذاك اليوم المشهود، حين خرجت "بصفة  تلقائية" رفقة جيران من حيها المرادية (الغولف سابقا)، لينضموا الى المتظاهرين ببلكور.

و تروي هذه السيدة، و هي حاملة لصور حضورها في مسرح الواقعة التي التحق بها فيما بعد بقية أفراد أسرتها، تقول" كانت والدتي تصرخ لكي أعود الى المنزل ولكن كنت مصرة على مواصلة طريقي. فاضطرت لاتباعي بعد أن ارتدت بشكل سريع الحايك".

و  استطردت "و لما استحال علينا التوجه الى حي بلكور انطلاقا من الغولف، بسبب

الحضور القوي لقوات الأمن الاستعمارية، اضطرينا إلى التوجه اليه من حي المدنية" واصفة ب "المشاهد المذهلة" الاصطدام بين المتظاهرين و قوات الأمن الاستعمارية.

وتقول هذه السيدة أن "الواقعة الراسخة في ذهنها هي الطفلة صليحة واتيكي" بحيثتروي "مشهد الفلة و هي تنزف دما " قبل أن  تقدم لنا صورة للشهيدة الصغيرة حين كانت ترفع العلم الوطني، بضع  دقائق قبل أن تصيبها رصاصة من الطلقات الكثيفة التي كانت تستهدف حشد المتظاهرين.

وتشير في هذا المقام الى أن الشاب الذي كان يقف الى جانب الشهيدة الصغيرة هو أخ الشاهدة عزيوز  الذي يبلغ اليوم 77 سنة.

 

الجزائر, ثقافة وفنون