هل أصبح الاهتمام بما يجري في الصين أكثر من ضرورة ؟

وقعت الصين واندونيسيا اتفاقية شراكة في مجال تكنولوجيات خدمة الفيديو والبرامج التلفزيونية عبر الانترنت، من خلال عقد يربط كل من الشركة الصينية "سومافيزيون" وشركة نينميديا الأندونيسية.

وجاء التوقيع على هامش أكبر معرض صيني في مجال بث برامج الفيديو الذي تعرض فيه حوالي 1000 شركات مختصة في بث الفيديو وتكنولوجيات التلفزيون وأجهزة بث الفيديو عبر الانترنيت وعبر الأقمار الصناعية، آخر ابتكاراتها.

إلى غاية الآن يبدو الخبر وكأنه محلي لا يخص إلاّ الصين، وعلى الأكثر، البلدان المحاذية لها، لكن عندما نقوم بعملية حسابية بسيطة ونظيف لـ 1.4 مليار نسمة التي تسكن الصين الـ 265 مليون نسمة تسكن أندونيسيا، سنصل إلى ربع السكان المعمورة التي وصل عدد نسمتها إلى 7.7 مليار شخص، وللصين جميع الإمكانيات كي تقنع جيرانها بالانضمام إلى مبادراتها.

ولا ننسى أنها أطلقت في سبتمبر 2013 مبادرة الحزام والطريق التي تعمل على انشاء هياكل النقل وطرقات وسكك حديدية وموانئ على طول الطريقين البري والبحري التي تربط الصين بأوروبا مرورا بقارتي آسيا وإفريقيا، وهذه المبادرة التي انضمت إليها الجزائر منذ أشهر، بدأت تلقى اهتماما لدى الأوروبيين على غرار إيطاليا التي انضمت هي الأخرى.

إن الاتفاقية المبرمة بين الصين وإندونيسيا تعطينا إشارات ودلالات هامة إلى نوعية التجهيزات والتكنولوجيا التي ستستعمل في المدى القريب، فالشركات الاقتصادية تهتم كثيرا بالقرارات المتخذة في الصين حتى تحدد خياراتها الاستراتيجية إما بخوص إنتاج منتوج معين أو اقتناء تكنولوجيا معينة، فلا شك أن أكثر من ملياري شخص سيستخدم تكنولوجيا معينة يجب أخذه في الحسبان.

منذ مدة كانت وزيرة الاتصال وتكنولوجيات الإعلام، هدى فرعون، قد أكدت، لدى استضافتها في القناة الإذاعية الثالثة، في ردها على استفسار بشأن تكنولوجية الجيل الخامس 5G، أنه يتعين على الجزائر أن تتريث قليلا قبل أن تختار التكنولوجيا، مبررة ذلك بأنه لو تم التسرع في اقتناء أجهزة محددة يمكن أن تكون غير صالحة للجزائر بسبب ما يجري في العالم من تنافسات تجارية، وهي إن لم تصرح بذلك مباشرة إلاّ أنها أشارت ضمنيا إلى العلاقات التجارية الصينية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، خصوصا بعد اعتقال المديرة المالية لشركة هواوي، التي تعد أكبر شركة عالمية لصناعة أجهزة الاتصالات، من قبل كندا وتسليمها للقضاء الأمريكي بتهمة التجسس. فهذه القضية بذاتها تنبئنا إلى حرب في اختيار التكنولوجيا وفي تحديد المعايير والأنظمة ستكون قائمة بين الغرب والصين. ونرى أن العديد من البلدان الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تسير نحو الحماية الاقتصادية والانغلاق على نفسها في حين تحاول الصين دعم العولمة والتفتح وإقامة سوق دولي مشترك.

هناك قرار آخر يبدو للوهلة الأولى محلي لكن سيكون له انعكاسات على المستوى الدولي يمكن أن يهم الجزائر بكثير، فمنذ أسبوع تم انعقاد الدورتين السنويتين للبرلمان الصيني الذي يجتمع فيه أكثر من 5000 نائب من مختلف المناطق الصينية لاتخاذ القرارات التي تخص الصين خلال السنة، حيث يتم المصادقة على برامج عديدة اقتصادية وسياسية ودولية وبيئية وغيرها.

والكل يعلم أن المدن الكبرى في الصين تعاني من التلوث الكبير لهوائها ومياهها، فبالتالي تعد مشكلة التلوث عويصة بالنسبة للصين سببها الأول الاستهلاك الضخم للفحم لتسيير محطات توليد الكهرباء والتدفئة. وقد قررت الحكومة الصينية استبدال نسبة من الفحم بالطاقات المتجددة وبالغاز الطبيعي للحد من التلوث.حيث كانت قد أطلقت مخطط " السماء الزرقاء" وقد حققت تقدما ملحوظا خلال سنة 2018، إذ أصبح ما يقارب 22480 قرية بالإضافة إلى 883 في 39 مدينة تستهلك الغاز بدلا من الفحم. كما أن الحكومة الصينية قررت في تحسين نوعية المازوت المستعمل في الشاحنات والمعتاد الفلاحية.

إن هذه القرارات سيترتب عنها زيادة في استهلاك الغاز الطبيعي على المستوى العالمي، مما قد يؤثر على أسعار النفط عموما. إن هذا سيهم الجزائر حتما خصوصا إذا ما تم إيجاد أفضل وسيلة لإيصال الغاز الجزائري إلى الصين بأقل تكلفة.

إن كل ما تقوم به الصين يستدعي منّا الاهتمام والتحليل لأن مليار و400 مليون نسمة عندما يختارون أمرا فسيكون له تأثير عالمي.

 

مبعوث الإذاعة الجزائرية إلى الصين -أنيس بن هدوقة

 

 

اقتصاد, مؤشرات