مؤهلات ساناي بجزيرة هاينان الصينية في استقطاب الملايين من السياح

ساناي هي مدينة صغيرة تقع في جنوب المقاطعة الاستوائية للصين، الجزيرة هاينان، لا تتعدى مساحتها 2000 كلم2 ، وشريطها البحري لا يتجاوز 260 كلم، لكنها نجحت في استقطاب ما يقارب 30 مليون سائح سنويا، ما يجعلها تجني أرباحا طائلة. كيف نجحت في ذلك؟ الإجابة في هذا الروبرتاج.

روبرتاج من إعداد مراسل الإذاعة من بكين:  أنيس بن هدوقة

المؤهلات الطبيعية والثقافية لجزيرة هاناي

لم يكن اختيار محافظة هاناي وجعلها القبلة السياحية الأولى في الصين صدفة، فمنذ 30 سنة كانت الحكومة الصينة قررت جعل هذه الجزيرة منطقة اقتصادية خاصة. فهذه الجزيرة تملك موقعا جغرافيا استثنائي فهي تقع في المنطقة الاستوائية وبالتالي تملك مناخ استوائي يتسم بالحرارة على مدار السنة يتراوح المعدل السنوي ما بين 23 إلى 26 درجة مئوية. كما أنها تملك مؤهلات جغرافية أهمها توفرها على الغابات الاستوائية والطبيعة الخلابة.

ويسكن هذه الجزيرة عدة أقليات لكل منها خصائصها الثقافية والاجتماعية وأهمها : هان و مياوووهووي ولي، التي سكنت الجزيرة منذ أزيد من 3000 سنة.

وهكذا تقدم الجزيرة باقة من الموروث الثقافي لهذه الأقليات والتي تتمثل أساسا في الرقص والثياب وطريقة العيش وتقاليد الزواج والطبخ وغيرها.

وفي إطار تثمين السياحة المحلية تم تهيئة القرى التي تسكنها تلك الأقليات وتوفير بعض المرافق وتكوين المرشدين السياحيين للتعريف بالمناطق التي تسكنها تلك الأقليات.

ففي منطقة ساناي، تمكنت السياحة الريفية حيث تقطن الأقليات من استقطاب أكثر من 3 ملايين سائح سنويا مما عاد بالفائدة الاقتصادية على سكان الريف، بل ساعدتهم السياحة من المحافظة على تقاليدهم وتم استغلال العائدات الاقتصادية في بناء مراكز تكوينية لتثمين تلك التقاليد.

 

توفيرالبنى التحتية أول خطوة في الاستراتيجية السياحية لساناي

تملك جزيرة هاناي أربع مطارات دولية، تربطها بالصين وبباقي دول العالم، وأحد المطارات يقع في ساناي، اسمه مطار فونيكس –ساناي. قبل 30 سنة لم تكن تملك هذه الجزيرة الاستوائية إلاّ مطارا عسكريا واحدا، لكن المسؤولين الذين أرادوا أن يجعلوها قبلة للسواح ووجهة عالمية، عندما باشروا في وضع مخططهم لتجسيد ذلك، طرحوا سؤالا واحدا : " كيف يمكننا استقطاب السياح؟" فكانت الإجابة الأولى بالمطارات، فهي جزيرة لا تملك حدود برية مع أي بلد، لذلك بناء مطارات دولية أمر حتمي.

عندما تتأهب الطائرة لتحط بمطار فونيكس –ساناي، وتضبط مسارها صوب أرضية الهبوط، يرتسم على اليسار، وأنت تطل من النافذة، شاطئ يمتد على عدة كيلومترات ومن خلفيته أشجار استوائية. يستطيع هذا الشاطئ أن يتسع للآلاف من المستحمين بمياه المحيط الهادي. فمدينة ساناي هيئت 50 كلم من الشواطئ.

فالصينيون يعلمون أنّ أساس أي نمو اقتصادي، يتطلب توفير البنى التحتية مثل الطرق، المطارات، الموانئ، وبالنسبة للسياحة البداية تكون بتهيئة الشواطئ وبناء موانئ التنزه، قبل الانتقال إلى الفنادق.

وكون منطقة ساناي تملك عدة محميات طبيعية لا يمكن استغلالها في بناء منشئات سياحية، قرر المسؤولون تهيئة مساحات على البحر لبناء فنادق وشقق للكراء وموانئ للتنزه، في شكل جزر مثل التي توجد في الإمارات. هكذا تم زيادة من مساحة ساناي من خلال استغلال المساحات البحرية.

 

الفنادق من كل الانواع

في استراتيجياتها السياحية، عمدت منطقة ساناي لاستقطاب عدد كبير من السياح باختلاف فئاتهم، سواء كانوا من الأثرياء والنجوم أو من السياح من الفئات المتوسطة. ووفق هذا المنظور، تتوفر ساناي على عدد كبير من الفنادق من مختلف النجوم، فهي تملك ما يقارب 200 فندق، منها 40 فندق تم بناءها في ساحل ساناي الذي تم تهيئته. ومن بينها 107 فنادق من العلامات العالمية على غرار شيراطونوسفيتالوريتز وغيرها. وهذه العلامات تدل على أنّ ساناي تمكنت من استقطاب المستثمرين الأجانب والذين بفضلهم تملك هذا العدد الضخم من الهياكل الفندقية.

والنجاح الباهر في مجال السياحة جعل المستثمرون يبنون ثالث أفخر فندق في العالم وهو فندق " أطلنطيس" والذي يقدم أرقى الخدمات، فهو يتضمن إلى جانب الفندق الفخم، حديقة مائية وألعاب مائية ومحلات عالمية ناهيك عن المطاعم الفخمة التي تقدم أجود المأكولات.

وفي الجزيرة الاصطناعية، التي بنيت على البحر، تم بناء فيها 4 فنادق ضخمة بالإضافة إلى عمارة شقق-فندقية على نفس الهندسة التي تم تصميم الفنادق الأربعة.

ونحن نعلم أن الهياكل الفندقية لا تخلق مناصب عمل مباشرة فقط وإنما مناصب عمل غير مباشرة، فحسب الخبراء لكل منصب عمل مباشر هناك 6 مناصب عمل غير مباشرة، وهذا ما يدر بالخير على جميع السكان.

 

موانئ التنزه ونوادي بواخر اليخت للنزهات البحرية

كما أنه تم بناء عدة موانئ لاستقبال البواخر الخاصة وموانئ للتنزه.

فبالنسبة لاستقبال البواخر الخاصة، تم بناء "ميناء فونيكس لسانياي" والذي يمكن لحوالي 500 باخرة خاصة ويخت الرسو فيه ويمكن له استقبال مليون مسافر سنويا وتم التعاقد مع الشركات العالمية للجولات السياحية البحرية لإدراج هذا الميناء ضمن محطاتهم السياحية على غرار " كارنيفالكوربيراسيون" " روايالكارابيينكرويز" و شركات أمريكية ويابانية.

كما تم بناء لكراء بواخر اليخت لجولات بحرية، وتم استحداث نادي خاص يدير الميناء وبواخر اليخت.

بناء محلات تجارية للشراء الحر:

وقامت مدينة ساناي ببناء مول تجاري ضخم يحتوي على محلات تجارية عالمية، حتى يجد السياح الأجانب الماركات التجارية التي يعرفونها. والمثير للانتباه أن هذه المحلات هي محلات للبيع الحر لا تطبق عليها الضرائب، أي مثل المحلات التي توجد في المناطق الدولية بالمطارات والموانئ.

وتجدر الإشارة إلى أن صناي وباتفاق مع الحكومة الصينية تم إطلاق هذا المشروع للتجريب وبالتالي يمكن الشراء من هذه المحلات بتقديم جواز السفر، كي لا تطبق الضرائب على المشتريات.

 

الجامعة علوم المحيط الاستوائية لهانيان

تحتوي منطقة ساناي بجزيرة هاناي، جامعة تدرس فيها علوم المحيط، حيث تهتم بالحياة البحرية بالمحيط الهادي وبالمعادن الموجودة في قاع البحر، خصوصا وأن الكثير من العلماء يؤكدون على الموارد الضخمة التي تحتويها البحار، منها معادن نادرة تدخل في الصناعة الإلكترونية.

لكن لا تكتفي هذه الجامعة بتدريس علوم البحار والمحيطات والتخصصات المعروفة مثل الإعلام الآلي والأدب والتاريخ وغيرها، ولكن جزء كبير من التخصصات وضعت لخدمة السياحة وتمنح شهادات في التدرج وما بعد التدرج. ومن أهم التخصصات التي تدرس في هذه الجامعة التي لها علاقة بالسياحة نذكر منها: تسيير الفنادق، تسيير السياحة، التسيير اللوجيستيكي، السياحة، الموسيقى، العلاقات والتعاملات الدولية، التجارة الإلكترونية، اللغات، وغيرها من التخصصات التي تخدم السياحة.

ويتضح أن السياحة ليست اقتصاد فقط وإنما هي علم بامتياز.

لا توجد شواطئ خاصة

على عكس ما نجده في كثير من البلدان السياحية على غرار تونس مثلا، وحتى هنا في الجزائر، نجد أن الفنادق تملك شواطئها الخاصة، ففي ساناي وبالرغم من استقبالها الملايين من السياح كل سنة، إلاّ أن الفنادق لا تملك شواطئها الخاصة، فيمكن لأي سائح أو أي شخص أن يستحم في أي شاطئ يريد، ومع ذلك لا تجد الشواطئ مكتظة لأنه تم تهيئة العشرات من الكيلومترات من الشواطئ.

وهذا قرار ذكي، يجعل من السائح الذي يزور سناي لا يبقى حبيس فندقه فقط، إذ يمكن له أن يختار أي شاطئ يريد ويذهب للاستحمام، وهكذا يستفيد الكل.أي ذلك السائح سيستهلك وسيشتري وسيتنقلوهذا ما يعود الفائدة ليس على الفندق فقط على التاجر وكل من يقدم الخدمات السياحية.

أنشطة سياحية ومهرجانات دولية ومرافق للتنزه

تنظم ساناي عدة مهرجانات وتظاهرات ثقافية وسياحية على غرار مسابقة أجمل امرأة في العالم سباق الأشرعة وصالونات دولية وهذا لهدف أساسي يتمثل في دعم السياحة واستقطاب الزوار في الأشهر الذي تعرف فيها تقلص عدد السياح مثل أشهر جانفيوفيفري وديسمبر.

ولدعم السياحة قررت مدينة ساناي بناء عدة مرافق للتنزه. فإلى جانب موانئ التنزه وملاعب الغولف، هناك حديقة للديناصورات، حيث توجد بها مجسمات للديناصورات بحجمهم الطبيعي منتشرين على حديقة واسعة.

والسر يكمن في إيجاد الأفكار والمشاريع التي تمنح تجربة مثيرة للسائح.

إن تجربة ساناي السياحية والتي أصبحت أحد أهم الوجهات السياحية في العالم جديرة بالاهتمام تتطلب منا الدراسة والتمعن والاستفادة، خصوصا أن الجزائر لم تجد حتى الآن الخطة التي تجعل سياحتاها تقلع.

 

 

 

 

 

 

 

 

اقتصاد