انسحاب"برخان"من الساحل : خطوة تعكس فشل السياسة العسكرية الفرنسية

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء أمس ، انتهاء مهمة القوات الفرنسية برخان في مالي و الساحل الأفريقي، في خطوة عكست فشل سياسة عسكرية استغرقت ثمان سنوات، وسط تصاعد موجة الاستياء الشعبي من التواجد الفرنسي في البلاد التي تشهد ازمة متعددة الابعاد.

و أوضح ماكرون في مؤتمر صحفي قُبيل افتتاح قمة الدول السبع ببريطانيا، "سنقوم بإنهاء عملية برخان واستبدالها بعمليات عسكرية مركزة مع الدول الصديقة"، مضيفا "حان الوقت، التزامنا في الساحل لن يستمر بنفس الطريقة.

سنبدأ تغييرا عميقا لوجودنا العسكري في منطقة الساحل"، معلنا عن تأسيس تحالف دولي لــــ "مكافحة الإرهاب" بمشاركة دول المنطقة.

وأوضح أن الانسحاب سيعني "إغلاق القواعد الفرنسية والاقتصار على القوات الخاصة التي ستركز على عمليات "مكافحة الإرهاب في إطار قوة "تاكوبا".

ولم يفصح الرئيس الفرنسي عن حجم القوات المقرر الإبقاء عليها في المنطقة، غير أنه أكد أن تفاصيل خطة العمل ستنشر في الأسابيع القادمة.

وجاء إعلان الرئيس الفرنسي ، بعد أقل من أربعة أشهر على تأكيده "استبعاد" القيام بخفض "فوري" لقوات بلاده، حيث صرح خلال قمة مجموعة دول الساحل الخمس في نجامينا يومي 15 و16 فبراير الماضي،  بأنه يستبعد خفض تعداد قوات بلاده المتواجدة بمنطقة الساحل ، مشيرا إلى "تغييرات مهمة على نظام فرنسا العسكري في الساحل ستحدث دون شك في الوقت المناسب ، لكنها لن تحدث فورا".

كما يأتي هذا القرار بعد أيام من تعليق باريس عملياتها العسكرية في الساحل ، ردا على قيادة العقيد اصيمي غويتا للمرحلة الانتقالية في مالي.

ففي خضم التطورات المتسارعة التي شهدها مالي، و التي كانت أخرها التغيير بالقوة الذي أدى بالإطاحة بالرئيس الانتقالي السابق باه نداو، و رئيس وزرائه مختار وان، و تقديم استقالتها، هددت وزارة الدفاع الفرنسية بتعليق عملياتها العسكرية المشتركة مع القوات المالية.

الخسائر الفادحة للقوات الفرنسية في الساحل تدفع باريس إلى الانسحاب

قد دفع تكبد قوات "برخان" لمكافحة الارهاب في المنطقة الساحل لخسائر بشرية ولوجستية فادحة منذ عام 2014 باريس إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها في المنطقة.

و طالما اعربت باريس عن رغبتها في تخفيف الأعباء العسكرية التي يفرضها انخراطها في عمليات مكافحة الإرهاب في تلك المنطقة، خاصة في ظل استمرار الهجمات التي تنفذها تلك التنظيمات المسلحة التي تمكنت من استهداف مناطق حيوية وغير متوقعة على غرار الهجوم الذي شهدته مالي في 2 أكتوبر 2019 عندما قامت بعض العناصر الإرهابية باستهداف معسكرين وسط البلاد في "بولكيسي" و "موندورو" مما أسفر عن مقتل 25 جنديا.

و كانت "برخان" التي تنشط في العديد من بلدان الساحل محل جدل واسع بسبب نشاطاتها "المقلقة" في نظر أهالي المنطقة ، اثر قيامها بــــ"العديد من الأخطاء متسببة في مقتل المئات من المدنيين الماليين، و لعل أبرزها عملية عسكرية نفذتها في يناير الماضي ببلدة" بونتي"، وسط مالي مخلفة 19 قتيلا مدنيا ، و التي وصفت بـــ"الاكثر دموية".و يرى السكان المحليون ، أن قوات الفرنسية" ساهمت في تفاقم الوضع الامني المتردي، و استغلال موارد المنطقة".

وتعول فرنسا كثيرا على نشر وحدات النخبة الأوروبية ضمن قوة "تاكوبا" الجديدة - التي أُنشئت بمبادرة فرنسية - لتقاسم أعباء "الحرب على الإرهاب" في منطقة الساحل، التي خسرت فيها باريس ، منذ بداية العملية العسكرية هناك 57 جنديا، وفقا للأرقام الرسمية.

لم تنجح فرنسا في حشد دعم كبير للعملية من حلفائها الأوروبيين في ظل تحفظ دول أوروبية للانخراط فيها أو في أية تحالفات جديدة في تلك المنطقة على نحو يمكن أن يزيد من الأعباء العسكرية التي تتعرض لها، مع ظهور اتجاهات داخلية أوروبية تدعو إلى تجنب الانضمام في مثل هذه الجهود.

وباستثناء بعض النجاحات التكتيكية المسجلة، لا يزال الوضع قاتما في دول الساحل الأفريقي، فلا يمر يوم تقريبا دون وقوع هجوم ضد ما تبقى من قوات السلطات، أو انفجار لغم يدوي الصنع أو ممارسات تستهدف المدنيين.

ويرى مراقبون، أن الانسحاب الفرنسي" قد يجبر الولايات المتحدة على المشاركة في التحالف الدولي المنشود" في منطقة الساحل.

و قد يكون الانسحاب الفرنسي ايضا "فرصة" لبعض القوى الطامحة لملء هذا الفراغ و ترسيخ نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة الغنية بالموارد، كاحتياطات ضخمة من الذهب واليورانيوم والمعادن الأخرى.

 

 

العالم