تبون يؤكد أن الحراك الشعبي "ظاهرة صحية"

أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، اليوم الخميس، أن الحراك الشعبي الذي يحيي الجزائريون غدا الجمعة ذكراه الأولى، "ظاهرة صحية"، محذرا من "محاولات اختراقه من الداخل والخارج".

وقال  تبون في لقائه الدوري مع وسائل الإعلام الوطنية، أنه وقع على "مرسوم يجعل من 22 فبراير يوما وطنيا تحت تسمية اليوم الوطني للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية"، مضيفا أن هذا المرسوم الرئاسي "سينشر في الجريدة الرسمية وسيتم الاحتفال بهذا اليوم سنويا".

وجدد الرئيس تبون التأكيد على أن "الحراك المبارك حمى البلاد من الانهيار الكلي"، مشيرا إلى أن "الدولة الوطنية كادت أن تسقط نهائيا مثلما حدث في بعض الدول التي تبحث اليوم عن وساطات لحل مشاكلها".

وأوضح رئيس الجمهورية أن "انهيار الدولة الوطنية يعني انهيار كل مؤسساتها"، معتبرا أن كل المعطيات أشارت إلى أن الأمور كانت "تسير إلى ذلك"، واستطرد بالقول "الحمد لله، أن الشعب كان واعيا وأوقف المؤامرة كما نجح في تحقيق الكثير من مطالبه".

وقال الرئيس تبون أن ما تبقى من مطالب الحراك "نحن بصدد تحقيقه لأنني التزمت شخصيا بتحقيق كل مطالب الحراك"، مشيرا إلى أن "هناك مطالب كانت مطروحة في البداية لا يمكن لشخص غير منتخب ولا يملك السلطة والشرعية الكافية تحقيقها، أما اليوم فنحن بصدد تنفيذها بداية بالدستور وقانون الانتخابات وإعادة تنظيم المؤسسات التي نحاول أن نجعلها جوارية تمكن المواطن من أن يشارك فيها من خلال مشاركته في التفكير والحل والتسيير والرقابة".

واعتبر  تبون أن هناك "بوادر بدأت تظهر" في هذا الإطار، على غرار ما تمت الإشارة إليه في لقاء الحكومة بالولاة حيث تم التأكيد على ضرورة "تغيير نمط التسيير وإصلاح العلاقة مع المواطن وتغيير الوجه البشع الذي كان في ذهنه عن الدولة، حيث كان هو في واد والدولة في واد".

وفي رده على سؤال بخصوص المواطنين الذين لا يزالون يشاركون في الحراك كل أسبوع، أكد رئيس الجمهورية أن ذلك "من حقهم، لأن هذا الأمر هو أساس الديمقراطية، سيما حينما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين يتظاهرون بنظام ودون تكسير أو فوضى"، مضيفا أن الحراك "ظاهرة صحية وليس لدي أي لوم عليه لأنه أنقذ البلاد من الكارثة ولولا الحراك لكانت في الجزائر حاليا مساع لحل الأزمة كما يحدث في ليبيا".

وفي ذات السياق، وجه الرئيس تبون خطابه إلى المشاركين في المسيرات بالقول: "أوصي أبنائي الذين يتظاهرون يوم الجمعة بالحذر من الاختراق لأن هناك بوادر اختراق من الداخل والخارج".

وفي إجابته عن سؤال بخصوص تزامن الذكرى الأولى للحراك الشعبي مع بروز حركات احتجاجية في بعض القطاعات، أكد الرئيس تبون أن "تسلسل الإضرابات في قطاعات هامة وفي وقت معين ليست ظاهرة سليمة وليست ممارسة نقابية.

ولدى تطرقه إلى الإضراب في قطاع التربية، قال  تبون "لطالما عبرت عن تبجيلي للأساتذة والمعلمين، سيما خلال حملتي الانتخابية، كما طالبت بمراجعة كل ما يتعلق بالأساتذة لإعطائهم مكانتهم في المجتمع"، معتبرا أن "الإعلان عن إضراب وطني في الوقت الذي لم تكن فيه الحكومة منصبة ولم يعطها البرلمان الإشارة الخضراء، أمر لا يحل المشكل الذي يتطلب وقتا وإمكانيات مادية ومالية وتنظيمية"، خاصة أن الأساتذة لديهم "الأولوية في الحلول للمشاكل المطروحة".

وفي ذات الإطار، أوضح  تبون أن المدرسة "تعاني اليوم ولم تحل بعد مشكل الإطعام والنقل المدرسي والتدفئة"، مشددا على أن هذه الإضرابات "غير بريئة".

كما تحدث رئيس الجمهورية عن إضرابات "تمس بسمعة البلاد وتضر بالمواطنين وتعطل مشاغلهم" في إشارة إلى إضراب مستخدمي الملاحة في الجوية الجزائرية، منتقدا الذين يشنون إضرابا عن طريق إرسال "رسالة نصية في ظرف نصف ساعة"، مشيرا إلى أن "القانون لا ينص على هذا بل على وجوب الإعلان عن الإضراب وذكر مبرراته، بما يمكن من مباشرة مفاوضات وإيجاد حلول".

وبهذا الصدد، دعا  تبون إلى عدم "تمييع الدور النقابي"، مؤكدا أن "توقيت هذه الإضرابات غير سليم وغير بريء وهناك من يسخن الأجواء ليوم ما، وأملك 50 سنة تجربة في التسيير ولا يمكن إقناعي بالعكس".

وأضاف أن "من يريد حل المشاكل يبادر لإيجاد الحلول النهائية ، أما الإضراب العشوائي فهو ممنوع في بعض المرافق العمومية"، مؤكدا على ضرورة "الإعلان عن الإضراب قبل شنه بغرض تمكين شركات الطيران أو المطارات من اتخاذ الاحتياطات اللازمة على غرار إعلام المواطنين بالإضراب".

وفي هذا الشأن، انتقد رئيس الجمهورية دفع هذه الوضعية بالمواطنين وخاصة المرضى منهم إلى افتراش أرضيات المطارات بسبب إلغاء رحلاتهم.

 مشروع مراجعة الدستور سيكون جاهزا مطلع الصيف القادم

أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون هذا الأربعاء أن مشروع مراجعة الدستور سيكون "جاهزا مطلع الصيف كأقصى تقدير" موضحا  انه بعد مصادقة البرلمان على النص سيتم عرضه لاستفتاء شعبي "في اقرب وقت  ممكن".

ففي حديث خص به اليومية الفرنسية "لوفيغارو" صرح رئيس الجمهورية "سيكون لنا  دستورنا مع مطلع الصيف كأقصى تقدير و سنعمل على تنظيم الاستفتاء في اقرب وقت  ممكن".

و قبل ذلك سيكون مشروع المراجعة الدستورية موضوع مناقشة واسعة للفاعلين في الحياة السياسية و المجتمع المدني.

و أوضح في هذا الخصوص انه "سيتم تسليم نسخة أولية لحوالي 600 طرف من أحزاب وجمعيات و نقابات و هيئات الخ... و سيكون لديهم شهر لمناقشتها بكل حرية قبل أن يعود أمام لجنة الصياغة".

و كان رئيس الجمهورية قد قرر في الـ 8 جانفي الماضي إنشاء لجنة من الخبراء  مكلفة بصياغة اقتراحات من اجل مراجعة دستورية بهدف تجسيد إحدى الالتزامات التي  وضعها على رأس أولويات عهدته في رئاسة الجمهورية و المتمثلة في تعديل الدستور.

حيث أكد بالقول "لقد أعطيت لمختصين توجيهات و وضعت حدودا سيما تلك التي تمس  بالهوية الوطنية و الوحدة الوطنية، أما الباقي فقابل للتفاوض".

كما وصف المراجعة الدستورية "بأولوية الأولويات" مؤكدا أن "الصيغة النهائية  ستسلم إلى البرلمان بغرفتيه ثم على الاستفتاء الشعبي".

و أضاف أن الاستفتاء " سيكون حاسما من اجل الحصول على دستور توافقي" موضحا أن  قراره بإحالة مشروع المراجعة الدستورية على الاستفتاء الشعبي ينم عن إرادته في  "عدم وضع تصوري الخاص للتغيير الدستوري".

و فضلا عن مسار مراجعة الدستور الذي شرع فيها في مطلع السنة فان رئيس  الجمهورية قد أعلن عن فتح ورشة مراجعة القانون المتعلق بالنظام الانتخابي.

في هذا الصدد أكد رئيس الجمهورية أن " الورشة الثانية ستكون تلك الخاصة  بالقانون الانتخابي الذي من شانه تحسين مؤسساتنا المنتخبة، مؤكدا أن "البرلمان  الجديد سيتمكن من لعب دور اكبر، لكن من اجل ذلك هو بحاجة إلى أكثر مصداقية و  لا يشوبه أي نقص في الشرعية من حيث التمثيل".و أضاف أن من الشروط الأساسية  لذلك هو "فصل المال عن السياسة".

و في معرض تطرقه للمظاهرات التي تنظم كل يوم جمعة فان الرئيس تبون قد أكد انه  "حتى وان كان هناك في كل جمعة تواجد مواطني في الشارع، إلا أن الأمور بدأت  تتجه نحو التهدئة".

و أضاف في هذا الصدد أن "عديد الجزائريين قد فهموا بأنه لا يمكن إصلاح و  ترميم و معالجة ما تم تهديمه مدة عقد من الزمان، في ظرف شهرين".و تابع قوله  "لقد أديت القسم الدستوري في 19 ديسمبر لكنني أتقبل أن يطلب مني بالإسراع و  ذلك يعني أن الناس يحدوهم الأمل في التغيير".

و أضاف "لقد حصل الحراك تقريبا على كل ما يريد، حيث لم تكن هناك عهدة  خامسة و لا حتى تمديد للعهدة الرابعة، ثم استقال الرئيس، كما أن الوجوه الأكثر  بروزا في النظام السابق قد ذهبوا كذلك، و تم الشروع في مكافحة أولئك الذين  دمروا الاقتصاد".

و تبقى بالنسبة إليه "الإصلاحات السياسية" حيث أكد انه "جعلها من "أولوياته"  وقال "أنا عازم على الذهاب بعيدا في التغيير الجذري من اجل إحداث قطيعة مع  الممارسات السيئة و أخلقة الحياة السياسية و تغيير نمط الحكامة".

و في رده على سؤال حول الدور الحقيقي للجيش قال رئيس الجمهورية إن هذا الأخير "  يضطلع بمهامه الدستورية و لا يهتم لا بالسياسة و لا بالاستثمارات و لا  بالاقتصاد، فهو موجود من اجل المحافظة على الوحدة الوطنية و حماية الدستور و  الجزائريين من أي تسلل إرهابي و كل محاولة لزعزعة استقرار البلاد".

مضيفا "إنكم لن تجدوا أي اثر لتدخله في حياة المواطن إلا عند الخدمة  الوطنية".

مقرا في ذات السياق انه ليس "مدينا" إلا للشعب الذي انتخبه "بكل حرية و  شفافية".

إن "الجيش قد دعم و رافق المسار الانتخابي، لكنه لم يحدد أبدا من سيكون  رئيسا، و إذا كنت قد شاركت في الانتخابات الرئاسية فذلك لأنني كنت اشعر بان  هناك عملا غير مكتمل، فانتم تعرفون في أي ظروف غادرت رئاسة الحكومة" يضيف رئيس  الجمهورية  لذات الصحيفة التي ذكرت بان السيد تبون قد اقيل من مهامه في 2017 بعد  اقل من ثلاثة أشهر من تعيينه وزيرا أول لكونه أعلن الحرب على قوى المال.

و تابع قوله "بما أن بلادي كانت تعاني من صعوبات فقد فكرت في تقديم قيمة  مضافة حتى و إن كنت على علم بان تلك تضحية على حساب عائلتي و نفسي، انه  الواجب".         

 الجمهورية يجب أن تقوم على أسس سليمة

أما فيما يخص إحدى مطالب الحراك المتعلقة "بدولة مدنية وليست عسكرية" فقد  أوضح الرئيس تبون أن "هذا الشعار يعود إلى 19 جوان 1965" تاريخ وصول الرئيس  بومدين إلى سدة الحكم.

و عن سؤال حول تحييد "المافيا السياسية و الاقتصادية" حيث يقبع عديد وجوهها  الآن في السجن، رد رئيس الجمهورية بان "الفساد و تكديس المال الفاسد لا يزول  بمجرد جرة قلم".

مضيفا  أن "رأس المافيا قد قطعت لكن الجسد لا زال موجودا، و أن المال الفاسد  لازال متداولا، حيث يمثل كل يوم مسؤولون جدد و رجال أعمال مزيفين أمام  العدالة".

كما أشار إلى أن أسس الدولة الجزائرية "يجب أن تكون سليمة" معتبرا في هذا  الصدد أن "ما ينتظرنا اكبر من أعمال سيزيف".

و تابع يقول "نحن بصدد إعادة البناء، لكن ذلك سيأخذ بعض الوقت، حيث لا توجد  دولة حديثة بنيت خلال جيل واحد، فالجمهورية الخامسة في فرنسا بدأت في سنة 1958  من القرن الماضي، فلنبدأ بتسطير معالم دولتنا الجديدة على المستوى الدستوري ثم  المؤسساتي ليعقبها الاقتصادي".

و أكد رئيس الجمهورية  في هذا الصدد على "ضرورة إخراج الجزائر من التبعية  للمحروقات معتبرا أن هذه "الثروة الإلهية القابلة للنضوب" يجب " أن تعود علينا  بثروات أكثر استدامة".

كما أكد " أن الجزائر تزخر بموارد أخرى من أهمها الشباب المتعلم، لقد ظل جيلي  متقوقعا لكن الشباب هم في اتصال مع العالم بأسره حيث أن شبابا متكونين في  مقاعد المدرسة الجزائرية أصبحوا مطلوبين من اجل نشاطهم و مهاراتهم في كل أنحاء  العالم، في الولايات المتحدة و في أوروبا".

و تابع يقول رئيس الجمهورية  "في ظل هذا التصور المعولم و من خلال تنافس سليم و  عصري سنقوم ببناء صرح اقتصادي جديد يقوم على تثمين الإنتاج الوطني و اقتصاد  المعرفة و الانتقال الطاقوي".

و أضاف الرئيس تبون أن "الشركات الناشئة و المؤسسات المصغرة و المؤسسات  الصغيرة و المتوسطة حجر الزاوية في هذا الصرح".

كما أكد بأننا "سنقوم بالتفكير في تثمين أمثل لمنتجاتنا الفلاحية دون وضع  أنفسنا في وضعيات غير عقلانية من الإنتاج المفرط و الندرة"، متأسفا لكون  "شركاء الجزائر ينظرون إليها على أنها سوق استهلاكية".

و أشار في هذا الخصوص إلى أن "مشاكلنا تأتي من الاستيراد غير المضبوط و  المنطوي على تضخيم الفواتير التي تعتبر مرتعا للفساد الذي تسهله عديد البلدان  الأوروبية حيث تتم العمليات المصرفية و تضخيم الفواتير و استثمار الأموال  المحولة بطرق غير مشروعة، و ذلك قد اضر بالاقتصاد الوطني".

و أعلن في هذا السياق على وقف استيراد أجزاء تركيب السيارات. حيث تساءل رئيس  الجمهورية أن "مصنع رونو الموجود هنا، لا علاقة له بما هو موجود في المغرب، فكيف  يمكن خلق مناصب شغل في حين انه لا يوجد أي إدماج و لا مناولة؟".

وبخصوص المادة 63 (51 سابقا) من الدستور التي تحرم الجزائر من  العديد من الكفاءات كونها تمنع مزدوجي الجنسية من تقلد مناصب سامية في الدولة،   أوضح الرئيس أن "هذه المادة سيتم تغييرها". 

وأكد أن المهاجرين من أصل جزائري بالخارج لهم مكانة كاملة هنا،  ونحن نسعى لأن  لا يكون هناك فارق بين المواطنين المهاجرين ومن هم في البلد فلهم نفس الحقوق  والإمكانيات سواء كانت هجرتهم مؤقتة أو نهائية إلى الخارج، يبقى بلدهم الأصلي  هو الجزائر وهم مرحب بهم فيه".

في المقابل،  أكد رئيس الجمهورية  أن "بعض المناصب الحساسة جدا والتي تمس بالأمن  الوطني لا يمكن أن تكون متاحة لأي كان".

وفيما يتعلق بمسالة الذاكرة كشف الرئيس تبون عن اتصالات مع نظيره الفرنسي  إيمانويل ماكرون الذي "يحاول تسوية هذا المشكل الذي يسمم العلاقات بين  البلدين" مشيرا إلى أنه (الرئيس الفرنسي) "يتعرض أحيانا بسوء الفهم وأحيانا  أخرى لهجمات لاذعة من قبل لوبيات قوية جدا".

وتابع يقول: "هنالك لوبي انتقامي يحلم بالجنة الضائعة و يتحدث عن خيانة ديغول  وأمور أخرى ... استقلالنا مضى عليه حوالي 60 سنة ومن الغريب أن تعود الجزائر في كل مرة إلى واجهة الأحداث السياسية الفرنسية! وعندما يصل الأمر إلى  إصدار قانون يمجد الاستعمار فنحن بعيدون عما ننتظره".           

من أجل علاقات سليمة مع فرنسا             

أكد رئيس الجمهورية أن الجزائر من أجل "علاقات سليمة مع فرنسا قائمة على  الاحترام المتبادل"،  معتبرا أنه "يجب في وقت ما النظر إلى الحقيقة مباشرة. 

الخطوة الأولى هي الاعتراف بما وقع والخطوة الثانية هي إدانته".

واعتبر الرئيس تبون أنه "لابد من الشجاعة في السياسة"،  مضيفا أن "هناك لوبي آخر  (المغرب/ مذكرة تحرير) ترتكز سياسته بالإجمال على كبح الجزائر ".

وأوضح أنه "لوبي بصلات اقتصادية واجتماعية ويخاف من الجزائر. وحتى لما تتدخل  الجزائر لاقتراح تسويات سلمية لأزمات يحاول هذا اللوبي التدخل بحجة أنه معني  أيضا".

وردا عن سؤال حول الجهود التي يجب أن تبذلها الجزائر لتفادي الاستغلال  السياسي لضغينة ما تجاه فرنسا قال الرئيس "من جانبنا ليس هناك أي حقد أو ضغينة  "،  موضحا أن "هناك ردود فعل على أعمال البغض وكراهية الأجانب وكراهية الإسلام  التي تتجلى من الجانب الآخر. هذا ما شرحته للرئيس ماكرون".

وأفاد رئيس الجمهورية بهذا الخصوص: "الجزائريون لا يريدون التدخل في شؤونهم"،   متسائلا "كيف يمكن اقتراح مرحلة انتقالية بالجزائر أو التدخل في خيار شعبها؟".

وأبرز: "يحق للجزائريين وحدهم تسوية هذه القضية وعلى الآخرين أن يستوعبوا  أننا غيورون بشدة على سيادتنا التي استرجعناها مقابل ثمن باهظ".

وذكر السيد الرئيس: "عندما أرى شبابا أمام أعين متفرجة بل متواطئة للشرطة  الفرنسية يضربون أشخاصا مسنين اقبلوا على قنصليتهم للانتخاب خلال الاستحقاقات الرئاسية الجزائرية الأخيرة. نتساءل هل نحن حقا في دولة ديمقراطية؟"،  مضيفا أن "الكثير من الجزائريين في فرنسا كانوا يريدون الذهاب للتصويت لكنهم كانوا  خائفين. بالنسبة لنا القضية لم تطو بعد. والتحقيق متواصل".

ومن جهة أخرى،  وبخصوص الوضع في مالي وهل تبحث فرنسا عن دعم الجزائر،  قال رئيس  الجمهورية إن الأمر كذلك بالنسبة للرئيس ماكرون  بينما الأمر مخالف لسابقيه . واسترسل يقول " لو ترك الأمر لنا لكان المشكل  المالي قد سوي منذ زمن بعيد. فالجزائر طرحت حلولا على الماليين منذ 1962". وفي  ذات السياق أكد الرئيس: "إنهم إخوة. مشاكلهم هي مشاكلنا. لقد كان اتفاق  الجزائر بالكاد مثاليا. و كان السبيل الوحيد الممكن ليندمج جنوب مالي مع شماله  في هياكله ومؤسساته. لكن فرنسا الرسمية أرادت تسوية المشكل عسكريا". "انسحبنا  وانظروا ما يحدث في الميدان"،  مذكرا بأن "الحلول العسكرية لم تحل أبدا المشاكل  بل على العكس في حالتنا تعقد الأوضاع وتفتح الطريق للإرهابيين،  مشددا على ضرورة  "العودة إلى اتفاق الجزائر".

وبخصوص مجموعة الخمس لدول منطقة الساحل،  اعتبر السيد تبون أن هذه القوة "ليس  لها القدرات العسكرية لمكافحة الإرهاب بفعالية".

وحول الأزمة الليبية،  ذكر رئيس الجمهورية أن الجزائر منذ 2011 قالت أن "المشاكل  لا تحل بهذه الطريقة"،  مضيفا "لو كان القذافي يشكل مشكلا،  يقع على عاتق  مواطنيه أن يقرروا مصيره. "اليوم لابد من دفع الليبيين نحو الحوار وإعادة بناء  دولتهم".

واستطرد يقول : "لو منحنا مجلس الأمن الأممي الصلاحيات نحن قادرون على إحلال  السلم سريعا في ليبيا،  لأن الجزائر وسيط صادق وموثوق ويحظى بالقبول لدى كل  القبائل الليبية". 

وشدد الرئيس تبون "لا يجب خوض حروب بالوكالة لابد من الالتزام بعدم بيع أسلحة  ووقف جلب مرتزقة"،  مشيرا إلى أن الجزائر "تقدم لليبيين الأغذية والأدوية وليس  الأسلحة للاقتتال".

  وحذر قائلا "إذا تواصل تفكك الدولة في ليبيا لسنة أو سنة ونصف سيكون  لأوروبا ومنطقة حوض المتوسط صومال آخر على حدودها مع ما يترتب عن ذلك من عواقب  وخيمة  على استقرارها وأمنها". 

"الحظوظ الحالية لليبيا تكمن في كون قبائلها الكبرى -يضيف الرئيس -لم تحمل  السلاح. وهي كلها مستعدة للقدوم إلى الجزائر لصياغة مستقبل مشترك معا،  موضحا  "نحن الوحيدون الذين اقترحوا حلولا سليمة دون انتظار مقابل لكننا لم نترك لفعل  ذلك. مع أن الجزائر ليس لها أي أهداف هيمنة  أو أطماع في ثروات هذا البلد الشقيق الذي فتح لنا أبوابه خلال حربنا  التحريرية".

"متفائل بحل الأزمة في ليبيا

كما اعرب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عن "تفاؤله" حيال إيجاد حل للأزمة الليبية, مؤكدا أن الجزائر "قادرة على أن تكون حكما نزيها" في هذا المسعى وأن تجمع بين الفرقاء الليبيين.

وأوضح السيد تبون في لقاء له مع وسائل إعلام وطنية بثت سهرة اليوم الخميس قائلا :"أنا بطبعي متفائل بحل الأزمة الليبية لبعض الأسباب التي أبداها الليبيون أنفسهم وعبروا من خلالها بأن لديهم ثقة في الجزائر", لافتا الى أن هذا الأمر نابع من موقف الجزائر "المعروف تجاه هذه الازمة".

وأضاف رئيس الدولة بأن " تدخلنا بخصوص الازمة في ليبيا نزيه و ليس لديه خلفيات توسعية ولا اقتصادية أو تجارية", مشيرا الى أن "ما يهم الجزائر أيضا هو ارجاع الجميل للشعب الليبي الذي ساعد الجزائريين اثناء الثورة التحريرية و (...) حماية حدودنا من انزلاقات خطيرة والرجوع بعدها لنبني المغرب العربي مع بعض".

كما أكد الرئيس تبون بأن الفرقاء الليبيين "قابلون كلهم" بتدخل الجزائر في مسعى حل الازمة في ليبيا, كاشفا بالمناسبة بأن البعض منهم و من الطرفين, قالوا بأنه من "غير الجزائر لا يثقون في أحد".

وبالنسبة لرئيس الجمهورية فانه من الصعب اليوم توقيف حرب ب"الوكالة" لان ثمة -كما قال- خلفيات "صعبة" بالنظر الى أن المشكل ليس بين الليبيين بل يكمن في التواجد الاجنبي في ليبيا.

وحسب الرئيس تبون فان تفاؤله بحل الازمة في ليبيا يرجع أيضا إلى كون كل المتدخلين في ليبيا "أشقاء أو أصدقاء", مؤكدا بأن الجزائر تمتلك علاقات طيبة مع مصر والامارات العربية المتحدة و روسيا وتركيا وهي بالتالي قادرة على الجمع ما بين الفرقاء وأن تكون حكما "نزيها".

وتكمن الخطة الثالثة في مسعى حل هذه الأزمة -برأي الرئيس تبون- في "رغبة الجزائر في أن يستفيد الليبيون من تجربتنا التي عشنا فيها مرارة التفرقة والمآسي والدم في فترة معينة", مشددا على أنه لا وجود لحل أخر بعيدا عن "التحاور والتسامح والوئام ما بين الفرقاء ".

واعتبر في نفس السياق ب"أننا نملك اليوم فرصة ثمينة بعد أن وافقت كل القبائل القوية في ليبيا -التي أبدت استعدادها للمجيئ الى الجزائر-على تدخل ومساهمة الجزائر في حل الازمة" في هذا البلد, مضيفا ب"اننا نريد ان نستنسخ تجربة الجزائر في حل أزمة مالي في ليبيا الشقيقة من خلال استحداث مجلس وطني انتقالي في ليبيا و مؤسسات مؤقتة تؤدي الى انتخابات تشريعية حقيقية تنصب من خلالها حكومة يعينها البرلمان ...".

والمهم في هذا الخصوص بالنسبة لرئيس الدولة هو "إيقاف تقتيل الليبيين بأسلحة متطورة تأتي من الخارج وليس تلك التي خلفها النظام السابق والتي تم توزيعها على منطقة الساحل", مضيفا بأن "ليبيا تشهد اليوم صراعا ايديولوجيا وتوسعيا وللمصالح وأن ما يهم الليبيين هو أن يعيشوا أحرارا في بلادهم وان ينعموا بخيراتها فقط".



وبخصوص التوجيهات التي أسداها خلال لقاء الحكومة بالولاة، قال رئيس الجمهورية أنها كانت من باب "الدراية بالأمور"، مضيفا أن حياته الوظيفية "أغلبها كانت في الجماعات المحلية أي في الجهة المقابلة للمشاكل المطروحة من قبل المواطنين في القرى والمداشر والمشاتي"، وأن هناك "شجرة تغطي الغابة وهي التنمية الظاهرية التي تغطي على مواطنين آخرين".

وأوضح أنه في هذه الحالة، فإنه ينبغي "التطرق للمشاكل التي يعاني منها المواطن في مناطق الظل، لأن العكس يدفع بهؤلاء المواطنين إلى النزوح نحو المدن وهذه المدن تعاني بما فيه الكفاية، فأكثر من 65 بالمائة من الجزائريين يقطنون في المدن و35 بالمائة في الأرياف، في حين أنه غداة الاستقلال كان العكس أي أن أكثر من 65 بالمائة من الجزائريين كانوا متمركزين في الأرياف".

واعتبر الرئيس تبون أن هذه الوضعية "تنجر عنها إيجابيات والكثير من السلبيات التي تتعلق بالتصرفات"، فتوسع المدن -مثلما قال- يتطلب "الاستثمار اليوم وغدا وبعد غد ويتطلب إمكانيات مالية كبيرة مرفوقة بغضب المواطنين"، مستدلا بالعاصمة التي كان يقطنها غداة الاستقلال "455 ألف نسمة، فيما تضاعف العدد بأكثر من عشر مرات وهو ما يعني وجوب مضاعفة بعشر مرات عدد قنوات الصرف والطرق والمدارس والسكن..، وحينما لا يتوقف العدد عن الازدياد تكون هناك كارثة أخرى كظهور المدن الموازية على غرار ما يحدث في البرازيل".

واستطرد  تبون بالقول، أن "الأحسن في هذه الحالة هو تنمية كل مناطق الوطن حتى يسترجع المواطن كرامته في الريف ولا يغره السكن في المدن لأنه يتمتع في الريف بميزات لا توجد في المدينة".

وعلى هذا الأساس، "ينبغي تجسيد اللامركزية التي هي عبارة عن مدارس" -يضيف الرئيس تبون- الذي كشف أنه اقترح سنة 1992 في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، "إعادة النظر في تنظيم الجماعات المحلية بما فيها اعتماد لا مركزية القرار وليس لا مركزية المنطقة"، مشيرا إلى أن "هناك فرق بين التنظيم الجهوي والتنظيم اللامركزي".

واعتبر الرئيس تبون أنه من شأن اللامركزية "حل عدة مشاكل"، متحدثا عن "المداولات التي تتم على مستوى بعض البلديات وتتعلق بمشكل محلي غير أنها ترفع إلى الدائرة والولاية وحتى إلى وزارة الداخلية".

وأشار إلى أن هناك "1541 بلدية، في انتظار تقسيم آخر، وهي تتسبب في اكتظاظ كبير".

وقال رئيس الجمهورية أن "كل هذه العوامل دفعتنا اليوم إلى التطرق لمناطق الظل، لأن السرعة في التنمية تؤدي إلى إغفال مواطنين وإحصائيات ،التنمية الشاملة لها دلالة لصورة عامة عن بلد ولا تعطي الواقع في المناطق الداخلية، كأن يتم تصوير جسد سليم في الظاهر لكن أعضاءه مريضة، وهذا هو الفرق بين النظرتين، والأحسن هو شملهما معا"، مشيرا إلى أن "بعض الدول المتقدمة التي لديها أقوى اقتصاد، يعاني حوالي 50 مليون نسمة من سكانها من الفقر وهم محرومون من العلاج والتدريس ومن إمكانيات العيش الكريم وهذه لا يمكن اعتبارها تنمية".

وفي ذات السياق، أكد رئيس الجمهورية على ضرورة "إعادة هيكلة الإدارة وإعادة تأهيل الجماعات المحلية"، مضيفا أن الجماعات المحلية تشمل "بلديات ريفية وأخرى حضرية، فحيدرة مثلا ليست تمنطيط أو بوحمار أو يابوس..، وبالتالي يجب إعادة النظر في التقسيم الإداري".

وتابع بالقول أنه "قد آن الأوان لاتخاذ قرارات لإعادة تنظيم البلديات الفقيرة، فمن بين 1541 بلدية هناك 850 بلدية فقيرة جدا وليس لها إمكانيات حتى لتوظيف ساعي بريد"، في مقابل "بلديات كحاسي مسعود أو باب الزوار أو أرزيو التي تتمتع بإمكانيات مالية كبيرة بفضل النشاط الصناعي وعائدات الضرائب"، مشيرا إلى أن "صندوق التضامن بين الجماعات المحلية لم يعد يكفي".

وبخصوص سؤال حول كيفية الملاءمة بين طمأنة المسيرين وعدم تجريم فعل التسيير، قال رئيس الجمهورية أن "التسيير ليس فعلا بسيطا وكل مسؤول معرض للخطأ لكن هذا الخطأ قد يكون عفويا وناتجا عن عدم الكفاءة المهنية، كما قد يكون متعمدا ويجب التفريق بينهما، فهناك مسؤولون يتخذون أكثر من 30 قرارا في اليوم وبالتالي فإن وجود قرارات خاطئة بين كل هذا الزخم من القرارات وارد ولا ينبغي تجريم هذا المسؤول، ويمكن معاقبته إداريا، أما الذي يقترف خطأ متعمدا سيما في الصفقات، فهذا ينبغي أن يجرم".

وأضاف في ذات الإطار، أن "كل ما جرى في البلاد والأموال الطائلة التي صرفت من الخزينة لفائدة بعض الأشخاص، خرجت كلها بصفة قانونية"، معتبرا أن "القوانين الحالية لم تعد تنفع في الرقابة ويجب ابتكار نوع آخر من الرقابة"، وأن "الصفقات التي كبدت الجزائر خسائر بآلاف الملايير مرت كلها عبر الرقابة المالية ولجان الصفقات وأدت الى النتائج المعروفة".

كما شدد الرئيس تبون على ضرورة "إعادة النظر في الرقابة"، مضيفا أن الجزائر "تملك خصوصية أن كل برامج التنمية تأتي عن طريق الإدارة والمال العام، ورغم أن اقتصادنا فيه القطاع الخاص بنسبة 80 بالمائة إلا أن 85 بالمائة من الأموال المتداولة تأتي من الخزينة، بسبب غياب البنوك الخاصة وكيفيات تمويل أخرى"، وهذا ما يسهم -كما قال- في انتشار "الرشوة العامة على كل القطاعات"، بينما في الدول الغربية، فإن "القطاع الخاص قائم بذاته ببنوك خاصة وصناديق خاصة وتبادل بين الخواص وهناك اتفاقيات بين الخواص وليس هناك رشوة عدا بعض الاختلاسات".

وأكد رئيس الجمهورية أن "ورشة الجزائر مفتوحة وكل القطاعات ينبغي تشريحها لأن هناك تراكمات"، مشيرا إلى بعض النصوص التنظيمية التي تم إعدادها "بسرعة وأخرى أدت بالأشخاص الابرياء لتحمل أخطاء الفاسدين من خلال تعميم قانون يضر بالنزيه أكثر من الفاسد".

وأوضح أن "البلديات تملك حق الاقتراض من البنوك"، متسائلا "كم هو عدد رؤساء البلديات أو الأمناء العامين للبلديات الذين يستطيعون التعامل مع بنك ويستطيعون إنجاز مشاريع ذات مردودية تمكنهم من تسديد قروض البنك وتحصيل الفائدة لصالح البلدية"، مضيفا أن "هذه الأمور تبقى نظرية فقط".

وفي هذا الإطار، شدد على ضرورة "إعادة هيكلة الإدارة وإعادة النظر في كل النصوص وإعطاء حرية القرار لكل المسؤولين المحليين مع تقوية دور الرقابة".

وبشأن أصحاب عقود الإدماج، فأكد الرئيس تبون أن هذا الملف "ورثناه ويجب الوفاء بالعهد، وسيتم حله قبل نهاية السنة الحالية، لأن هذا التزام للدولة".

ولدى رده على سؤال يخص تقليص فاتورة الاستيراد، وظاهرة تضخيم الفواتير والرشوة، قال رئيس الجمهورية أن "ظاهرة الرشوة هي سرطان ورغم الخضوع للعلاج فإن ما يخفى منها أكبر مما يظهر، والرشوة الصغيرة أكثر إضرارا بالمواطن من الرشوة الكبيرة التي تضر بخزينة الدولة، لأن الرشوة الأولى تصيب مباشرة جيب المواطن الذي يعاني أصلا من انخفاض قدرته الشرائية ويدفعها طلبا لحقه".

أما بالنسبة لتضخيم الفواتير، فاعتبر أنها "ظاهرة موجودة في الدول التي فتحت اقتصادها لكن ليس بالشكل الذي هي عليه حاليا في الجزائر"، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة "دامت أكثر من 10 سنوات وهناك وسائل رقابة لم تستعمل".

وأشار الرئيس تبون بهذا الصدد، إلى أن هناك "شركات تأمين ومكاتب دراسات معتمدة من الأمم المتحدة يسمح لها القانون بمراقبة الأسعار من المنبع، فيمكن لمستورد للآلات الالكترو منزلية مثلا أن يستفسر عن الأسعار التي تعامل بها منافسوه في دول أخرى ويتابع الفرق في الأسعار ويسترجعه"، مضيفا أنه أسس لهذا سنة 2017 واعتبره "أخطر قرار" اتخذه ولم يعجب بعض الأطراف التي علمت أنه سيصل إلى "صلب الموضوع" 

- وتحدث  تبون عن التضخيم في الفواتير وقال أنه لا يريد "صدم المواطن"، بذكر النسبة المئوية "المفزعة" للتضخيم، وقيمة الأموال "الخيالية" التي هربت إلى الخارج، مستطردا بالقول "نستطيع حماية أنفسنا من تضخيم الفواتير، من خلال محاسبة المستوردين الذين يضخمون فواتيرهم في الحين واعتبار فعلهم جريمة اقتصادية وعدم تركهم ينشطون لعدة سنوات ثم يتم محاسبتهم".

وكشف الرئيس تبون أن مراقبة الفواتير المضخمة "تمكن من ربح أكثر من 20 إلى 25 بالمائة من العملة الصعبة، ما يعني أن مداخيل برميل النفط الذي تبلغ قيمته اليوم 60 دولارا تصبح بقيمة 80 دولارا وتسمح بسد فراغات أخرى، دون الحديث عن نوعية السلع المستوردة".

وذكر رئيس الجمهورية بحادثة وقعت له حين كان وزيرا للتجارة وظهور ما سمي بأزمة الثوم الذي كان يتم استيراده من الصين "بفواتير خيالية"، حيث طلب من سفير الصين بالتقرب من السلطات الصينية لمعرفة الأسعار الحقيقة واكتشف أن هناك 7 أنواع من الثوم حسب النوعية في حين أن كل فواتير الجزائر "كانت باسم أجود نوع وهي في الحقيقة لأدنى نوع، وهذا نوع آخر من الغش".

كما أكد أن التحكم في تضخيم فواتير الاستيراد "ضروري" ويمكن من الحفاظ على "ثلث مداخيلنا من العملة الصعبة".

وبشأن ترقية الاستثمار، أكد رئيس الجمهورية أنه اقترح سنة 2001 مشروع "الشباك الموحد الذي يشمل كل ما يحتاجه المستثمر في مكان واحد"، مشددا على "إلزامية توفير وسائل الطعن والتظلم، لأن رأس المال جبان بطبعه والمستثمر لا يغامر بمليارات الدولارات أمام إدارة متسلطة".

وقال أن لديه فكرته بالنسبة للاستثمار الذي "ينبغي أن يمر إلى مرحلة جديدة"، مستطردا بالقول "لا نستطيع القبول بأي استثمار كان، فالاستثمار الذي يربطنا بالخارج مدى الحياة ينبغي اجتنابه لأن مصائبه أكثر من فوائده، وربما سيأتي وقت لن تملك الدولة إمكانيات مالية بالعملة الصعبة لاستيراد المادة الأولية ولن يفيد هذا الاستثمار لأن هدفه التصدير".

وأكد الرئيس تبون أنه في حال تعرض أي مستثمر في مجال تحويل الانتاج الوطني لعراقيل فإن "القرار سيكون بتسليط أشد العقوبات، لأن الهدف حاليا هو خلق صناعة وطنية بوسائلنا لتقليص الاستيراد"، مضيفا أن "كل الدول تستورد لكن استيرادها عقلاني وهي تراعي مصالحها الوطنية في الاستيراد"، وعلى هذا الأساس فإن الجزائر -مثلما قال- "لن تسمح باستيراد منتجات تصنع محليا ما يؤدي لقتل الانتاج الوطني، بل ينبغي اعتماد استيراد تكميلي للإنتاج الوطني".

واشار إلى أن الاستيراد هو عبارة عن "عملية تجارية بحتة ولا تترك بصمات في التنمية الوطنية، أما تنمية الموارد المحلية فهي تخلق الثروة ومناصب الشغل وتسمح بالتصدير".

كما شدد  تبون على ضرورة "مراجعة" كل هذه المسائل المتعلقة بالاقتصاد الوطني، غير أنه اعتبر أن "الأولوية حاليا هي سياسية وتنظيمية لتأسيس دولة جديدة، ثم تأتي الإصلاحات في باقي المجالات".

وفي سياق متصل، طرح الرئيس تبون إمكانية العودة إلى "تجربة غرف التجارة التي لم تنجح بسبب انحرافات خطيرة"، مشيرا إلى ضرورة "الخروج بتجربة صائبة يشارك فيها أهل الاختصاص، انطلاقا من التجارب والهفوات التي وقعت".

وأضاف أن "الكثير من المستثمرين الجزائريين نزهاء وكانوا مظلومين وتم منعهم من العمل وهم اليوم مرحب بهم".

ولدى تطرقه إلى الشأن الدولي، أعرب رئيس الجمهورية عن "تفاؤله" حيال إيجاد حل للأزمة الليبية، قائلا: "أنا متفائل بحل الأزمة الليبية لبعض الأسباب التي أبداها الليبيون أنفسهم وعبروا من خلالها بأن لديهم ثقة في الجزائر"، لافتا الى أن هذا الأمر نابع من موقف الجزائر "المعروف تجاه هذه الازمة".

وأضاف رئيس الجمهورية بأن " تدخلنا بخصوص الازمة في ليبيا نزيه و ليس لديه خلفيات توسعية ولا اقتصادية أو تجارية"، مشيرا الى أن "ما يهم الجزائر أيضا هو ارجاع الجميل للشعب الليبي الذي ساعد الجزائريين اثناء الثورة التحريرية و (...) حماية حدودنا من انزلاقات خطيرة والرجوع بعدها لنبني المغرب العربي مع بعض".

كما أكد الرئيس تبون بأن الفرقاء الليبيين "قابلون كلهم" بتدخل الجزائر في مسعى حل الازمة في ليبيا، كاشفا بالمناسبة بأن البعض منهم و من الطرفين، قالوا بأنه من "غير الجزائر لا يثقون في أحد".

وأضاف رئيس الجمهورية أنه من "الصعب اليوم توقيف حرب بالوكالة" لان ثمة -كما قال- خلفيات "صعبة" بالنظر الى أن المشكل ليس بين الليبيين بل يكمن في التواجد الاجنبي في ليبيا.

وأرجع تفاؤله بحل الازمة في ليبيا إلى كون كل المتدخلين في ليبيا "أشقاء أو أصدقاء"، مؤكدا بأن الجزائر تمتلك علاقات طيبة مع مصر والامارات العربية المتحدة و روسيا وتركيا وهي بالتالي قادرة على الجمع ما بين الفرقاء وأن تكون حكما "نزيها".

وتكمن الخطة الثالثة في مسعى حل هذه الأزمة -برأي الرئيس تبون- في "رغبة الجزائر في أن يستفيد الليبيون من تجربتنا التي عشنا فيها مرارة التفرقة والمآسي والدم في فترة معينة"، مشددا على أنه لا وجود لحل أخر بعيدا عن "التحاور والتسامح والوئام ما بين الفرقاء".

واعتبر في نفس السياق ب"أننا نملك اليوم فرصة ثمينة بعد أن وافقت كل القبائل القوية في ليبيا -التي أبدت استعدادها للمجيئ الى الجزائر-على تدخل ومساهمة الجزائر في حل الازمة" في هذا البلد، مضيفا قائلا "اننا نريد ان نستنسخ تجربة مالي الشقيقة وما قامت به الجزائر في الشقيقة ليبيا من خلال استحداث مجلس وطني انتقالي في ليبيا و مؤسسات مؤقتة تؤدي الى انتخابات تشريعية حقيقية تنصب من خلالها حكومة يعينها البرلمان ...".

والمهم في هذا الخصوص بالنسبة لرئيس الجمهورية هو "إيقاف تقتيل الليبيين بأسلحة متطورة تأتي من الخارج وليس تلك التي خلفها النظام السابق والتي تم توزيعها على منطقة الساحل"، مضيفا بأن "ليبيا تشهد اليوم صراعا ايديولوجيا وتوسعيا وللمصالح وأن ما يهم الليبيين هو أن يعيشوا أحرارا في بلادهم وان ينعموا بخيراتها فقط".

وفي ختام اللقاء، جدد رئيس الجمهورية التزامه بتنظيم لقاءات مع وسائل الإعلام الوطنية دوريا وحسب الظروف والمستجدات، لأن "المعلومة الصحيحة تجنب التأويلات والإشاعات"، مجددا دعوته إلى الصحافيين لأداء واجب الإعلام وتقديم الخبر قبل التعليق مضيفا أن "حرية التعبير هي من أسس الديمقراطية وإذا ما تم استغلالها بصفة عقلانية ونزيهة تعطي أكلها والعكس صحيح لأن كل ما تجاوز حده انقلب إلى ضده".

الجزائر, سياسة