المفكر محمد شوقي الزين للإذاعة: العالم العربي يعيش لحظة التفكيكات المعرفية الكبرى لصالح الهويات المعطوبة

 قال الفيلسوف الجزائري الدكتور محمد شوقي الزين أستاذ الفلسفة بجامعة تلمسان والمحاضر سابقا ،  في  الدراسات العربية والإسلامية بجامعة اكس بروفانس فرنسا، "إن العالم العربي يعيش تشوها مركبا في أنظمته المعرفية والثقافية، المرتبطة بتراكمات تاريخية تراثية معقدة، نتيجة معاناة الأبنية الوظيفية القادرة على صناعة الوعي والنمذجة".

 

جاء ذلك خلال مشاركته هذا السبت (عبر الهاتف )ببرنامج "نقطة حوار" لإذاعة الجزائر من ادرار  ، حول موضوع (أزمة الثقافة والمعرفة في العالم العربي) موضحا أن الاهتمام النسبي غير البليغ بالمعرفة،  أدى إلى تداخلات وصعوبة بناء أنظمة ثقافية متحررة منهجيا ،  .مضيفاً أن أطروحات مالك بن نبي حول مشكلة الثقافة والأفكار مهمة من خلال نظرية القابلية للاستعمار وشروط النهضة لأن" المفروض يقابله المرفوض "بحيث فرض الاستعمار إستراتيجيات تشاؤمية قهرية بالوطن العربي لا زالت ندوبها قائمة في قاحلية الحقول المعرفية،  وتقلص حيز الثقافة و سياقات العولمة المتسارعة جعلت جل الدول منكشفة أمام التحولات العميقة  والكثيفة ، التي يشهدها العالم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، علما وأن الثقافة محكومة بفكر المنازعة والتسميات المختلفة.

 

صدمات  تعدد تعريفات الهوية....والإزاحة

وأضاف  مؤلف  "إزاحات فكرية/ الذات والأخر" أن سبب التعريفات المتعددة للهوية يعود لعدم مجاوزة الهوس بها وكذا غياب قنوات حوار اجتماعية حول الوسائل الرمزية والعقلية للتعود على الأدوات الديمقراطية في النقاش العمومي.

وفي سؤال حول نمطية المجتمعات العربية وتراتبية القبليات الضيقة  أكد الاستاذ ،  ضرورة مجاوزة  الدائرة المغلقة،  بالتعويل على المجتمع المدني في درء الاحتكام الشعوري واللاشعوري للجوانب العشائرية، مشيرا إلى أن مفهوم "المثقف" بات معقد يأتي في نهاية المشوار من خلال تاريخ انساق الفكر واكتشاف النظريات تتويجاً للحياة العامة.... داعيا لنزع الشخصنة  عن الأقاليم المعرفية بين الباحث المتخصص والغارق في العموميات لأن تماهي المثقف مع الثقافة يحصر في ذاته مجموع القيم الاجتماعية والسلوكية  ثم  أن  أزمة الثقافة هي عدم التعود الذاتي والسعي للنظر في "الشيئيات اليومية.

وأعتبر محمد شوقي الزين  مأزق الهوية هو جمودها بالذات،و الركون إلى يقينياتها،بحيث  يكمن مأزقها في مجابهة المتحوّل باسم الثابت، ورفض الحركة والتنوّع والإبداع باسم ذخائر الرؤية السحرية، الكهنوتية،التي تخلو من الأسباب والتأثيرات والتشابكات  ،كما أن إدراك الهوية لذاتها هو إدراك ، مجزّأ.

وشدد الدكتور على أن مسألة المقدس تطرح حيزا وتصورا عموميا شائعا لإرتباطاته  بالوعي المتناهي المحصور في التاريخ،  الإقليم ،  الجغرافيا من خطاب إنتاج شبكة بشرية من التصورات والتحليلات والتأويلات  ،  فالمغالطة تكمن في اعتبار الهوية والغيرية حقيقتين منعزلتين تماماً  ، نرى فيهما "التوازي" بدل "التقاطع". لكن نجد أنّ الهوية هي "غيرية" بالنسبة لهوية أخرى، والعكس.

العالم العربي لحظة التفكيكات الشاملة...

لحظة اللايقين التي تجتاح العالم العربي متصلة بالتفكيك الواسع  في السياسة والايدولوجيا,الاعتقاد وعدم التهيئة البشرية لمجاوزة هذه المعاناة و من خلال ما يسمى "الربيع العربي" , طرح الباحث صاحب رسالة الدكتوراه حول  محي الدين ابن عربي  فرضيات من خلال مؤلفه "الثقاف في الأزمنة العجاف" انه ينبغي التفريق بين المضامين الاجتماعية والتأويلية لمقاربة مسألة المقدس والحقيقة بالقبض على المعنى  كعامل مادي ورمزي ،  عن طريق . قراءة متعمقة، وصبورة، لكثير من المفاهيم والنصوص.

وفي سؤال حول الصراعات الطائفية وظاهرة الدوغمائيات أوضح "...عندما يحل جزء ويدعي أنه يتحدث عن الكل تأتي لحظة انقلاب الجزء على الكل والسطوة في تفسير التراث الفكري وإصدار إحكام معممة متجاوزة النسبية  وهذا الهوس يؤدي إلى العدمية العبثية ثم السقوط البشري والعطب الثقافي المعرفي".

دور المثقف...

وتعليقا على رؤية الراحل بختي بن عودة لمجتمعات الحداثة وما بعد الحداثة وإشكاليات اللغة والدين والحضارة قال  محمد شوقي الزين لإذاعة ادرار أن خيبة الأمل كبيرة من التاريخ ."تصدعاته وغبنه وعلى المثقف في العالم العربي الفاعلية والتسلح بالتخصص المثير للانتباه الموسوعي وكذا تقديم نفسه كقارئ للوقائع التي يعيشها ومواطن متأثر بتحليلها فبختي بن عودة سعى إلى معرفة الخلل الذي استبدّ بالهيكل (السياسي، النظري، التاريخي، الديني، الثقافي..) وأعاق، مساره نحو التشكّل والاكتمال، لأنّه هيكل مثقل بالهزائم أو الغنائم، ، لا يصنع الوقائع وإنّما يتكبّد المصائب، في استدارة على الذات و شلل تاريخي بنيوي.

العولمة...وسياقات الانخراط المعمم...

العولمة هي النسق الدائري  للعالم حسبما أوضحه الفيلسوف محمد شوقي  مضيفا "أن صورتها سلبية في العالم العربي معبئة بريبة الشك المنغلق غير المبرر نتيجة تراث الماضي الاستعماري للسيطرة على الموارد"   وقال إن التحليل الفينومولوجي للعولمة هو النظرة الدائرية للأرض كمنظومة ونسق يجمع كل المصائر والهويات والثقافات مرتبة مع بعضها أفقيا لكننا نحتاج إلى الانعتاق من السبات العميق المتواتر وعدم الإدراك  بالانفكاك من السجن الهوياتي ومسايرة التكنولوجيا".

علينا أن نأخذ العولمة في تجليّاتها المختلفة ففي الاقتصاد مدمّرة للمنتجات المحلّية بتعميم كاسح للسوق، و في الإعلام والمعلومة محفّزة للهويات المحلّية بأن تتيح لها الظهور للوجود وتتواصل بالعالم. ولا يمكن مجاوزة هذه المفارقة ويستوجب علينا كمنظومات سياسية واجتماعية وفكرية نخبوية الانخراط في مسايرة حركة العالم من خلال التكنولوجيا وبعث فضاءات البحث العلمي.

تجدر الإشارة إلى أن الباحث الدكتور محمد شوقي الزين فيلسوف من الجيل الجديد متأثر بأطروحات علي حرب .جاك دريدا .ومشاريع محمد أركون و عابد الجابري النقدية وله أزيد من 13 مؤلفا فكريا حول  الهويات والتفكيكات  والإزاحات الفكرية المتعلقة بمسألة الثقافة والمعرفة في العالم العربي وإعادة تشكيل الهندسة الثقافية والاجتماعية وفق أنساق نقدية جديدة.

حاوره: لحسن حرمة / إذاعة الجزائر من أدرار

 

 

ثقافة وفنون