الجزائر تقرّر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب

أعلن وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، هذا الثلاثاءـ عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية بدءًا من اليوم، على خلفية قيام البلد الجار بمؤامرات دنيئة ضد الجزائر. 

في ندوة صحفية عقدها بقصر المؤتمرات غرب الجزائر العاصمة، شدّد لعمامرة على أنّ "المؤامرات الدنيئة التي تحيكها المملكة المغربية ضد الجزائر مثبّتة تاريخيًا ومتواصلة منذ الاستقلال وإلى غاية اليوم، انطلاقًا من الحرب العدوانية التي شنّتها ضد بلادنا سنة 1963 وراح ضحيتها آنذاك 850 شهيدًا جزائريًا، وصولاً الى الاتهامات الباطلة التي أطلقها وزير خارجية دولة الكيان الصهيوني في زيارته الأخيرة للمغرب".

وأشار لعمامرة: "لم يحدث أن وجّه أي عضو في حكومة الكيان الصهيوني منذ عام 1949، رسائل عدوانية من أراضي دولة عربية ضدّ دولة عربية مجاورة، وهو الأمر الذي يتعارض مع كل الأعراف والاتفاقات الموقعة بين البلدين، وهو دليل قاطع على العداء الشديد دون أدنى أي قيد أو حدود".

وعلى الصعيد الأمني الاقليمي، سجّل قائد الدبلوماسية الجزائرية أنّ قيام المغرب بهذا الفعل ينتهك بنود المادة الخامسة من معاهدة الأخوة وحسن الجوار المبرمة مع الجزائر قبل 32 عامًا، بالإضافة إلى التعامل البارز والموثق للمملكة المغربية مع المنظمتين الارهابيتين "الماك" و"رشاد" اللتين قامتا بأعمال تخريبية مؤخرًا ببلادنا.

وأبرز لعمامرة الدسائس والاستفزازات الخطيرة التي انتهجها المغرب ضدّ بلادنا والتي لم تزعزع من صمود وحنكة الدبلوماسية الجزائرية، حيث شنّت أجهزة الأمن والدعاية المغربية حربًا إعلامية دنيئة واسعة النطاق ضدّ الجزائر وشعبها وقادتها دون تردّد، وراحت تنسج سيناريوهات خيالية، وتختلق الإشاعات وتنشر معلومات مغرضة، والأخطر من ذلك قيام أحد مفوضي المملكة المغربية بانحراف خطير جدًا وغير مسؤول من خلال التطرق إلى ما أسماه "حق تقرير المصير للشعب القبائلي الشجاع".

وفي مواجهة هذا الاستفزاز الذي بلغ ذروته، أبانت الجزائر عن ضبط النفس، من خلال المطالبة علنًا بتوضيح من السلطة المغربية المختصة والمؤهّلة، إلاّ أنّ صمت الجانب المغربي استمر منذ 16 جويلية الفارط، ويعكس بوضوح الدعم السياسي من أعلى سلطة مغربية لهذا الفعل.

وأضاف لعمامرة قائلاً: "إنّه من الواضح اليوم أنّ المملكة المغربية قد تخلت بصفة خطيرة وممنهجة بشكل كلي أو جزئي عن الالتزامات الأساسية التي تشكّل القاعدة والأرضية المرجعية التي تقوم عليها عملية تطبيع العلاقات بين البلدين، بعدما جعلت المملكة المغربية من ترابها الوطني قاعدة خلفية ورأس حربة للتخطيط والتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد الجزائر".

وفيما يتعلق بشأن ما سيتمخض عن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، قال لعمامرة: "عندما يتم اتخاذ قرار بقطع العلاقات، يلي ذلك مراجعة لكافة العلاقات الثنائية بين البلدين ويتقرّر ما يتناسب مع الوضع الجديد وما لا يتناسب معه.

وحول المجال الغازي، أوضح لعمامرة: "بطبيعة الحال هناك اعتبارات تخضع للتعهدات الدولية، وهي من مسؤولية سوناطراك وشركائها، حيث سيتم في هذا الصدد اتخاذ قرار مناسب في ضوء التقييم الذي ستقوم به السلطات المعنية بهذا الأمر".

وتابع مطمئنًا: "قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني بأي شكل من الأشكال تضرّر المواطنين الجزائريين المقيمين بالمغرب ونظرائهم المغاربة المقيمين بالجزائر، فالقنصليات ستباشر عملها بصفة طبيعية، وهو التقليد المعمول به في العلاقات الدولية، وستبقى هذه الأجهزة الادارية تقوم بعملها القنصلي المحض من دون أي مهمة تتجاوز هذا الإطار الضيق.

عدم رد الرباط على استفسار الجزائر أدى إلى قطع العلاقات

قال لعمامرة إنّ عدم رد المملكة المغربية على الاستفسار الذي رفعته وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج في 16 جويلية الأخير بخصوص "الانحراف الخطير جدًا" لأحد مفوضيها، أضاع الفرصة وكان أحد الأسباب التي أدت إلى قطع العلاقات مع الرباط.

وتابع الوزير: "إنّ خطابي العاهل المغربي لم يأتيا بجواب ولا بالتوضيح الذي كان كل عاقل ينتظره، وضاعت الفرص دون أن يأتي الكلام المطلوب من باب المسؤولية والاحترام، فتمّ اتخاذ القرار"، وأردف أنّ كل الجزائريين كانوا ينتظرون جوابًا واضحًا على السؤال الذي رفعته وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رسميًا في أواسط الشهر الماضي حول الكلام الذي تفوّه به مفوض مغربي وحديثه عما سماه (حق تقرير المصير للشعب القبائلي)، وما إن كان ذلك يلزمه كشخص أو يلزم المملكة كجار أو كدولة".

وأضاف قائد الدبلوماسية الجزائرية: "في كل الأحوال، ترفض الجزائر أن تخضع لسلوكيات وأفعال مرفوضة تدينها بقوة، كما ترفض الجزائر كذلك منطق الأمر الواقع والسياسات أحادية الجانب بعواقبها الكارثية على الشعوب المغاربية".

استنكار التجسس المغربي على مواطنين ومسؤولين جزائريين

استنكر لعمامرة "عمليات التجسس الكثيفة التي تعرّض لها مواطنون ومسؤولون جزائريون من قبل الأجهزة الاستخباراتية المغربية باستعمال تكنولوجيا دولة الاحتلال الصهيوني.

وقال الوزير إنّ "الفضيحة المتعلقة ببرنامج "بيغاسوس" قد كشفت، بما لا يدع مجالا للشك، عمليات التجسس الكثيفة التي تعرض لها مواطنون ومسؤولون جزائريون من قبل الأجهزة الاستخباراتية المغربية مستعملة في ذلك تكنولوجيا الكيان.

يُشار إلى أنّ برنامج التجسس الصهيوني "بيغاسوس" المطور من قبل الشركة الصهيونية "أن أس أو" استخدم من قبل جهاز الاستخبارات المغربي للتجسّس على آلاف الأشخاص في الجزائر والمغرب ودولاً أخرى.

وكانت الجزائر أعربت في جويلية الماضي عن "قلقها العميق" بعد كشف مجموعة من المؤسسات الاعلامية ذات السمعة المهنية العالية عن قيام سلطات بعض الدول، وعلى وجه الخصوص المملكة المغربية، باستخدام واسع النطاق لبرنامج التجسس المسمى "بيغاسوس" ضد مسؤولين ومواطنين جزائريين، إلى جانب صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، معربةً عن إدانتها الشديدة لهذا الاعتداء "الممنهج والمرفوض على حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

المغرب تعاون بشكل "بارز و موثق" مع "الماك" و"رشاد"

أبرز لعمامرة أنّ المغرب تعاون بشكل "بارز و موثق" مع المنظمتين الإرهابيتين "الماك" و"رشاد" اللتين ثبت تورطهما في الجرائم الشنيعة المرتبطة بالحرائق المهولة التي شهدتها العديد من ولايات البلاد مؤخرا.

وأكّد قائد الدبلوماسية الجزائرية: "المنظمتان الارهابيتان الماك ورشاد ضالعتان أيضًا في" عملية التعذيب والقتل الهمجي الذي راح ضحيته المواطن جمال بن إسماعيل في الحادي عشر أوت الجاري عندما تنقل إلى ولاية تيزي وزو، للمساعدة على إخماد الحرائق.

أمن تونس مهدّد

أكّد لعمامرة أنّ أمن واستقرار تونس مهدّد من طرف حركات إرهابية سواء كانت تونسية أو حركات متواجدة في المنطقة خاصة على التراب الليبي، وقال الوزير إنّ الجزائر تتعاون مع تونس الشقيقة في المجالات الأمنية والعسكرية وتتقاسم معها المعلومات الاستخباراتية والتحاليل السياسية.

وعن التدخلات الخارجية في تونس، شدّد لعمامرة على أنّ الجزائر ترفع صوتها عند الضرورة لرفض التدخلات الخارجية، وتركّز على أنّ "الحقوق السيادية لتونس لا يجب أن تعرقل أو يؤثر عليها بطريقة أو بأخرى"، مضيفًا "نحن لدينا ثقة في الدولة التونسية وفي الشعب التونسي، ونحن على يقين من أنّ الشعب التونسي سيخرج منها متماسكًا وملتزمًا ببناء ديمقراطيته بحسب ما اتفق عليه من طرف قواه السياسية".

وأوضح وزير الخارجية والجالية أنّ الزيارات المتكررة لتونس مؤخرًا تدلّ على هذا الاهتمام الشديد من الجزائر، وعلى الالتزام بأن نكون أذنًا صاغية للأوضاع في تونس الشقيقة، وأن نتجنّد مع الأشقاء إلى غاية تخطي تونس لهذه المرحلة من تاريخها بسلام، في هذا الصددـ، أكّد لعمامرة أنّ الجزائر حريصة على أن يترك للشعب التونسي الحق في اختيار نظامه الدستوري وترتيب أموره السياسية.

تأكيد على دور دول جوار ليبيا

أكّد لعمامرة ضرورة اجتماع دول جوار ليبيا من أجل مساعدة الليبيين على استكمال المسار السياسي للمصالحة الوطنية الذي تشرف عليه منظمة الأمم المتحدة.

وردًا على سؤال حول الاجتماع الوزاري المقبل لدول جوار ليبيا المزمع عقده بالجزائر نهاية الشهر الجاري، صرّح الوزير: "من الضروري أن تجتمع دول الجوار من اجل مساعدة الليبيين على استكمال المسار السياسي للمصالحة الوطنية".

وجدّد قائد الدبلوماسية الجزائرية، التأكيد أنّ "تسوية الأزمة الليبية يجب أن تتم من قبل الليبيين، كما أشار لعمامرة إلى ضرورة "وضع حدٍ للتدخلات الخارجية وتدفق الأسلحة وخروج المقاتلين الأجانب والمرتزقة".

منح الكيان "صفة مراقب" إساءة

أكّد لعمامرة أنّ الجزائر حريصة كل الحرص على وحدة الاتحاد الإفريقي، مشدّدًا على أنّ منح دولة الكيان الصهيوني صفة المراقب من طرف رئيس المفوضية للاتحاد الافريقي، موسى فقي، عمل تعدّ "مساوئه أكثر من فوائده، فيا حبذا لو تجنبنا ذلك والمجال لا يزال مفتوحً لتجنبه فعليًا".

وأوضح قائد الدبلوماسية الجزائرية: "عدد الدول الأجنبية التي ظفرت بالمركز القانوني لصفة المراقب لا يقل عن 87 دولة، ويكاد الاتحاد الإفريقي أن يشبه منظمة الأمم المتحدة، فيما يتعلق بتعداد الدول التي تهتم بأشغال الاتحاد وتشارك بطريقة أو بأخرى في أعماله"، لافتًا إلى أنّ "المراقب ليس له الحق في أخذ الكلمة أو التصويت ولا التأثير في وضع جدول الأعمال، فهي أمور عملية من الناحية الدبلوماسية".

وأشار لعمامرة إلى أنّ "64 دولة إفريقية أقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان الصهيوني، وهو معطى يجب أن نكون بكافة الوعي بمعانيه ومغزاه واسقاطاته"، مشدّدًا على أنّ "الجزائر حريصة كل الحرص على الحفاظ على وحدة الاتحاد ودوره بوصفه الأداة المعبرة عن طموحات الشعوب الافريقية وتطلعاتها، فكل ما من شأنه أن يخلق سوء تفاهم أو بلبلة أو تقاسم لا تحبذه الجزائر، وتعمل على تفاديه".

سدّ النهضة: استعداد للعودة إلى الوضع الطبيعي

أكد وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، استعداد الجزائر لمساعدة مصر والسودان وأثيوبيا على العودة إلى وضع طبيعي في المفاوضات حول سد النهضة على نهر النيل.

وصرّح لعمامرة: "واجب الجزائر يتمثل في اظهار الاستعداد والشجاعة والاخلاص من أجل مساعدة هذه الأطراف على تجاوز الوضعية الصعبة والتوصل إلى وضعية التفاهم في اطار وضع طبيعي يسمح للشعوب الثلاثة بالاستفادة من هذا المورد الثمين بشكل منظم وشفاف ومنصف".

وتأسف لعمامرة لكون البلدان الثلاثة المعنية بهذا الملف وهي مصر والسودان وأثيوبيا "توجد في وضعية صعبة بسبب تضارب المصالح حول مسألة حيوية تتمثل في الموارد المائية"، وتابع: "هناك عدد كبير من الوساطات الجارية، والقيمة المضافة للجزائر، فضلاً عن تجربتها تكمن في كون الأطراف الثلاثة تثق فيها".

وأضاف الوزير: "لدينا التشجيع من أجل المضي قدمًا في هذا السبيل، وسنبقى متاحين وفي خدمة استقرار وازدهار الشعوب الثلاثة الشقيقة ومن أجل جهودهم"، كما أكد لعمامرة: "الأطراف الثلاثة ترى أنّه ليس للجزائر أجندة اضافية، وأنها لا يمكن أن تتخلى عن البلدان الأقرب اليها في ظل تدهور الوضعية بينها".

وانتهى لعمامرة إلى الكشف عن "وجود اتصالات دائمة مع الاتحاد الافريقي والجامعة العربية وتبادل للمعلومات مع الأطراف الأخرى المعنية بوساطات حول هذا الموضوع".

المصدر: موقع الاذاعة الجزائرية 

الجزائر, سياسة