تبون: حريصون على تكريس الشفافية والشعب يبقى الشغل الشاغل

أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ليلة الجمعة، حرصه على تكريس الشفافية لاستعادة ثقة المواطن في دولته، مشددًا على أنّ الشعب يبقى هو شغله الشاغل.

وفي لقائه الدوري مع مسؤولي عدد من وسائل الإعلام الوطنية، قال تبون: "الجزائر دولة شفافة وأنا أحرص على الشفافية أكثر من أي وقت مضى لأنه ليس لدينا ما نخفيه"، مضيفًا: "إنّ شغلي الشاغل هو الشعب وبالأخص الفئتين المتوسطة والكادحة".

وأوضح الرئيس: "الطبقة المتوسطة كانت "الأكثر تضرّرًا" من مختلف الصعوبات التي مرت بها البلاد منذ سنة 1988، سيما خلال فترة الإرهاب وما تبعها من تردي الأوضاع الاقتصادية، مشيرًا إلى أنّ برنامج "عدل" للسكن كان مخصصًا للتكفل بهذه الطبقة، ولذلك فهو "ضروري" ولم يكن، إلى جانب البرامج السكنية الأخرى "مجرد مطية سياسية" بل انطلق من "خلفية وطنية محضة".

المؤسسات المتضررة مدعوة لـ "النزاهة" في طلب الدعم

دعا تبون المؤسسات الاقتصادية المتضرّرة من جائحة كورونا الى اعتماد "النزاهة" و"الشفافية" في طلب الدعم من الدولة التي تملك وسائل الرقابة اللازمة للتأكد من صدق المعطيات المقدمة بشأن الخسائر المتكبدة.

وأوعز الرئيس: "يجب على المؤسسات المتضررة النزاهة في الطلب وعلى الدولة الحنكة في الرقابة، وذلك لكي لا يتضرر الاقتصاد الوطني".

وتابع: "من كانت حساباته واضحة، نحن هنا لكن الأرقام بشأن الخسائر المزعومة، يجب أن تكون واضحة".

وأشار تبون: "المؤسسات الاقتصادية واصلت نشاطها طيلة فترة الحجر الصحي ولم تتوقف إلاّ بصفة جزئية، اضافة الى حيازتها على مخزونات تم بيعها خلال هذه الفترة"، وأضاف: "القطاع الخاص الذي يشتكي من آثار تسريح نصف عماله، عليه أن يثبت أنّه سرح (مؤقتا) فعليًا هؤلاء العمال ودفع أجورهم، حينها سندرس حالته ونعوض خسائره".

وأقر تبون بوجود "تأثير مالي واقتصادي ونفسي للجائحة لكنه قلل من تأثيرها المالي"، مطمئنًا: "من الناحية المالية، ليس هناك تأثير كبير لأننا أخذنا احتياطاتنا"، واعتبر أنّ "أكثر المتضررين من الوباء هم أصحاب المهن اليدوية والمهن الحرة مثل الحلاّقين والنجّارين وسائقي الأجرة لأنهم لا يملكون عادة ادخارًا ماليًا".

وذكر الرئيس أنّ هاته الشريحة استفادت من منحة المليون سنتيم في شطرها الأول، والثاني قريبًا، مؤكّدًا أنّ هذه المنحة الشهرية سيتم دفعها طيلة فترة الحجر الصحي.

وأكد الرئيس أنّ دعم الدولة لهذه الطبقة المتضررة "سيصل الى أبعد حد"، والدولة "لن تتخل عن الشباب البطال" و"التضامن الوطني سيبقى ولن يضيع أحد"، مضيفًا: "الأيام القليلة القادمة قد تعرف رفع تعليق النشاط عن بعض النشاطات التجارية، لكن بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية ذات الحجم المعتبر، ليس مقبولا أن يطلب البعض عفوًا جبائيًا لسنة كاملة بسبب شهرين أو ثلاثة من الحجر".

وتابع تبون: " أكيد أننا سنساعد المؤسسات ولن ندعها تغرق، لكن هذه المساعدة ستتم بعد الرقابة، وبقدر ما تكون هناك مبالغة (في الشكوى) بقدر ما ينقص مستوى الاستجابة".

وشدّد على أنّ النقاش بخصوص الآثار الاقتصادية للجائحة لا يجب في كل حال من الأحوال، "أن يصبّ في محاولة زعزعة الاستقرار العام"، وللوصول إلى تنمية اقتصادية حقيقية مستقبلاً، دعا تبون المؤسسات الاقتصادية إلى اللجوء الى التأمين على المخاطر التي قد تعترضهم، وقال: "على التأمين أن يتكفل بجزء من هذه المخاطر، والدولة ستتكفل بالجزء الباقي".

من جهة أخرى، اعتبر تبون أنّ "الأوان لم يحن بعد لفتح المجال الجوي الجزائري"، مؤكدًا أنّ مثل هذا القرار يرجع للمختصين ويراعي الحفاظ على صحة وسلامة المواطنين.

وأكد القاضي الأول في البلاد استعداد الدولة لتوفير كل الميزانية اللازمة للتكفل الصحي بالمواطنين، قائلاً: "لقد سبق وقلت، لو يجب انفاق 1 مليار دولار على صحة المواطنين سننفقها، فالخسائر المادية تعوّض، لكن الخسائر البشرية لا تعوّض".

ضرورة منح الوقت للحكومة للتكفل بالانشغالات

وشدّد تبون: "كل مواطن سينال حقه"، مؤكدًا على ضرورة إعطاء الوقت للحكومة لتجسيد مختلف الانشغالات المتعلقة بالتنمية.

وأوضح الرئيس: "الحكومة تشتغل منذ قرابة 5 أشهر من العمل الذي عطّلته جائحة كورونا، و"من الضروري منحها الوقت" لانجاز برنامجها، مبرزًا أنّ "حق المواطن لا يضيع".

وذكّر تبون بالمناسبة بتعهداته لمختلف فئات المجتمع على غرار المنتسبين لقطاع التربية والتعليم العالي، مع تخفيض الضرائب على الفئات الهشة وغيرهما.

وبعد أن نبّه إلى بعض مظاهر الاحتجاج والاضطرابات التي ظهرت مؤخرا على غرار غلق الطرق، أشار رئيس الجمهورية إلى اهتمامه الشخصي بمناطق الظل، وأكّد أنّ ما يحدث "أمور مفتعلة".

وتابع الرئيس: "هناك أيادٍ تحرّض بعدة وسائل، وهناك تكالب أجنبي على الجزائر"، لافتًا إلى أنّ القضية تكمن في "حماية الوطن، لأنّ هناك من يتكالب علينا"، و"لديه مخططات" للإضرار بالجزائر، والتي "لن تنجح" في تحقيق أهدافها.

و بعد أن دعا إلى "التعقل وعدم الانسياق "وراء هذه المخططات"، طمأن رئيس الجمهورية بأنّ "من لديه حق سيتحصل عليه"، لافتًا إلى أنّ "أمور التنمية والترقية تتطلب وقتًا ودراسة".

وأردف تبون أنّه من خلال متابعته اليومية لمختلف وسائل الإعلام، بالإضافة الى التقارير التي تصله من كل مكان، يتبيّن أنّ هناك "موجة تحضر لشيء ما ضدّ الجزائر من خلال الحديث عن الاضطرابات وغيرها".

واستطرد قائلاً: "نحن لسنا مثاليين ونعمل من أجل الخروج من عمق الزجاجة بالحكمة والعمل والتضامن بين الجميع"، مجددًا تأكيده على ضرورة بناء الاقتصاد الوطني و"تثمين الايجابيات" التي تم تحقيقها.

وأكّد الرئيس: "هناك مشاكل ونقائص، لكن يتم تضخيمها وطرحها بكيفية مشبوهة".

"انحرافات" النقاش حول مسودة تعديل الدستور "سحابة صيف"

أكد تبون أنّ "الانحرافات" التي حصلت خلال النقاش المفتوح حول التعديل الدستوري بخصوص ثوابت الأمة كانت "متوقعة"، معتبرا إياها "سحابة صيف"، مجددًا ثقته الكاملة في أعضاء لجنة الخبراء المكلّفة بصياغة مقترحات التعديل الدستوري.

وأشار رئيس الجمهورية الى الجدل الذي أثير بخصوص النقاط المتعلقة بثوابت الأمة في إطار المشروع التمهيدي لتعديل الدستور، مسجّلا ثقته في أعضاء لجنة الخبراء المكلفة بصياغة مقترحات هذا التعديل وفي وطنيتهم وتمسكهم بثوابت الأمة والتي تعدّ أمورًا "لا تقبل الشك".

وذكر تبون أنّ مسألة الحفاظ على ثوابت الأمة ضمن التعديل المرتقب للقانون الأسمى للبلاد "فصل فيها منذ البداية"، وحول مسألة تمديد المدة المخصصة للنقاش حول ما يتضمنه التعديل الدستوري المرتقب، أوضح الرئيس تبون أنّ هذا القرار راجع إلى ما عرفته البلاد من تفشي جائحة كورونا والحجر الصحي الذي تمّ فرضه، للتصدي لها.

وقال في هذا الشأن: "وجدت نفسي محرجًا من الحفاظ على الرزنامة التي وضعت في هذا الإطار، في الوقت الذي كان فيه المواطن متخوفًا من خطر فيروس كورونا"، مضيفًا أنّ "القرارات المصيرية من هذا النوع غير مرتبطة بوقت محدد".

في هذا السياق، أفاد تبون: "كان مبرمجًا في بداية الأمر، عرض مشروع التعديل على البرلمان شهر جوان الجاري وإجراء الاستفتاء بعدها، غير أنّ المعطيات تغيّرت بسبب الظروف الصحية التي عرفتها البلاد".

وأضاف أنّ المقترحات التي تواصل رئاسة الجمهورية استلامها، بلغ عددها 1500، ما جعل التأخير في عرض المشروع يبلغ شهرًا ونصف في نهاية المطاف.

و في سياق ذي صلة يتعلق بنظام الحكم المستقبلي الذي ستعتمده الجزائر، ذكر رئيس الجمهورية "الاختيار وليد التجربة التي تعيشها البلاد"، غير أنه أشار إلى أنّ "التوجه الحالي يسير نحو النظام شبه الرئاسي".

وذكر أيضًا أنّ الأهم هو الخروج من النظام الرئاسي الصلب، انطلاقًا من أنه "يستحيل أن ينفرد شخص واحد بالسلطة ويسيّرها وفقا لمزاجه وأهوائه"، مشيرًا إلى أنه قام قبل إجراء التعديل الدستوري، بمنح الكثير من الصلاحيات للوزير الأول.

الحسم في ليبيا لن يكون عسكريًا

شدّد تبون أنّ "الحسم في ليبيا لن يكون عسكريًا"، وجدّد التأكيد بأنّ الجزائر التي "تقف على نفس المسافة" من جميع الأطراف في هذا البلد، مستعدة للمساعدة على انهاء الأزمة وحقن الدماء.

وأوضح الرئيس: "بالنسبة للمد والجزر الواقع في ليبيا، فالمبدأ الأساسي الذي عبّرنا عليه بوضوح، هو أنّ الحسم لن يكون عسكريًا، وكل الدول بما فيها العظمى مع خطة الجزائر ومقاربتها".

وتابع: "حاولنا بكل مجهوداتنا حل الأزمة سلميًا ونحن نقف على نفس المسافة من كل أطراف النزاع"، مشيرًا إلى مجهودات الدبلوماسية الجزائرية واتصالاتها مع مختلف الأطراف الليبية.

وأكد الرئيس: "الدم الذي يسيل هو دم ليبيي وليس دم من يقوم بالحرب عن طريق الوكالة"، لافتًا إلى أنّ "الجزائر تتألم لما آل إليه الوضع في هذا البلد، لأنها عاشت مثل هذه المصائب وتعرف كيف تحلّها" من منطلق تجربتها.

وركّز تبون على أنّه "مهما كان عدد الضحايا، فالعودة إلى طاولة المفاوضات لا بدّ منها، وعليه فلتكن البداية بالمفاوضات"، مجدّدًا التأكيد على أنّ الجزائر على "استعداد لمساعدة الليبيين لإنهاء الأزمة وحقن الدماء".

وأشار رئيس الجمهورية إلى أنه حتى الدول العظمى تدرك بأنّ الجزائر هي "البلد القادر على صنع السلام في ليبيا، إذ ليس لدينا أطماع لا توسعية ولا اقتصادية، وما يهمنا هو وقف الدم الليبي وحماية حدودنا".

وأكّد بأنّ كل الأطراف الليبية "لديها ثقة في الجزائر كونها الدولة الوحيدة القادرة على جمع الفرقاء، سواء قبائل أو مسيرين"، لافتًا إلى أنّ هدف الجزائر هو "وقف نزيف الدم الليبي"، مضيفًا: "نحن أولى من غيرنا بخصوص حل الأزمة".

وتابع قائلاً: "ليس لديّ أي حرج في التعامل مع الشقيقتين مصر وتونس لإيجاد حل للأزمة الليبية"، مذكّرًا بأن ما "تم التوصل إليه في مالي، بالإمكان القيام به في ليبيا".

مصالح الجزائر مع فرنسا تفرض التعامل المشترك

أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أنّ الجزائر وفرنسا دولتان عظمتان تجمعهما مصالح مشتركة تحتّم عليهما التعامل مع بعضهما البعض.

وأوضح تبون: "هذه النية الحسنة تصطدم أحيانا بمحاولة اللوبيات تأجيج النيران بين الطرفين، وبالتالي ضرب هذه المصالح"، على خلفية الشريط الذي بثته قناتان عموميتان فرنسيتان تهجّمتا من خلاله على مؤسسات الدولة والحراك الشعبي

وأكّد الرئيس على عدم وجود أي مشكل مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي يجمعه به "اتفاق شبه تام"، مبرزًا: "ماكرون أبدى أكثر من مرة مواقف "تشرفه" حول مسألة الذاكرة الوطنية وجرائم الاستعمار الفرنسي، مذكرًا بتصريحاته حول الذاكرة الوطنية والجرائم التي كانت اقترفتها فرنسا الاستعمارية في حق الجزائريين والتي أعتبرها "مشرّفة له".

ونوّه تبون بروابط الجزائر مع الولايات المتحدة وألمانيا، معقّبًا: "المشكل الليبي أبان أنّ أغلبية هذه الدول تقف إلى جانب الطرح الجزائري"، علاوة على اقتناعهما المتنامي بأنّ "الجزائر تسير على طريق الديمقراطية خطوة بخطوة".

الجزائر